يتوهم كثير من المتابعين أن العلاقة بين هيئة الإذاعة والتلفزيون وبين الصحافة من جانب آخر علاقة مضطربة وغير صحية ولعل هذا التصور خلقته مجمل الكتابات التي تحدثت عن أهمية تطوير المحتوى التلفزيوني وتقديم أعمال ذات جودة تساهم في جذب المشاهد المحلي ومع أن هذه الكتابات قد تكون قاسيه أحيانا إلا أن أي تطور أو خطى ايجابية يحققها تلفزيوننا الوطني فإن الجميع سيكون في غاية السعادة لذلك لأننا جميعا نحلم بـ «عودة الطيور»، منها ما يعرضه التلفزيون السعودي الآن.
يعرض التلفزيون السعودي هذه الأيام أول مسلسل طويل على شاشة السعودية الأولى في تجربة إنتاجية جاءت مختلفة تماما عن السائد بعنوان «عندما يزهر الخريف»، وبدأ المسلسل في اجتذاب المشاهدين بشكل متصاعد ومتزايد خاصة وأنه يعرض في وقت السهرة، وقد حمل المسلسل جودة فنية عالية من خلال ثراء إنتاجي مميز وقصة تناسب الأسرة السعودية، عكس ما اعتاد المشاهدين عليه في المسلسلات الطويلة.
وقد أحسن القائمون على التلفزيون بتصميم وإنتاج مثل هذه المشاريع التي تقدم لجمهورها المحلي شكلا تعودوا عليه، لكن في إطار يناسب الدراما المحافظة التي يبحثون عنها، ولعل أكثر ما كان مميزا للمتابع لحلقات هذا المسلسل هو ضخامة الإنتاج وعدم المبالغة في الأزياء والمكياج الاستعراضي، الذي اعتاد عليه المشاهد في الدراما الخليجية، ولعل وجود خبرات تركية إنتاجية تولت مهمات الإضاءة والمكياج وساهمت إلى حد كبير في جعل المسلسل أقرب للواقعية والبعد عن المبالغة، وجاءت الموسيقى التصويرية للعمل أكثر من رائعة للموسيقار التركي اسكندر.
منتج المسلسل حسن عسيري اشتهر بتقديم أعمال تتناول بشكل جريء القضايا الاجتماعية في أعماله الدرامية، وقد أثارت هذه الأعمال موجة من الآراء المتباينة في الشارع السعودي، حيث يرى البعض أنها تعتبر تجاوزاً للخطوط الحمراء وتسيء للمجتمع السعودي، فيما يرى آخرون أن ما يقدمه العسيري يستحق الإشادة داعين إلى ضرورة تناول المشكلات الاجتماعية بجرأة لإيجاد حلول مناسبة لها بدلا من السكوت عنها، ولكن العسيري في مسلسل «عندما يزهر الخريف» بدا مختلفا كمنتج وبدا واضحا أيضا تبنيه لشكل إنتاجي جديد يعتمد على عدم مصادمة المجتمع بمواضيع جريئة بحيث قدم من خلال هذا المسلسل عملا محليا محتشما بامتياز حيث جاء ذو طابع اجتماعي هادئ ويحمل أبعاداً وقيماً إنسانية يتميز بها المجتمع السعودي.
ويمثل هذا العمل والذي يعرض هذه الأيام على التلفزيون السعودي تحولاً كبيراً في مسيرته الإنتاجية، وهو من تأليف التركيان «سماء تانسي» و»عرفان صاروخان» ومن إخراج الأردني رائد عودة، وبطولة محمد الحجي، يامور، غزلان، عماد اليوسف، هند محمد، فاطمة الطائي، سارة اليافعي، سلوى الجراش، شيماء الفضل، وبمشاركة الشباب، عبد الله الشريف، نصرة، محمد الجبرتي، بدر المطرفي، ومشعل العتيبي.