كانا يتجاوران قريباً من سوق (المقيبرة) وهو أقدم سوق في بالرياض القديم، كلاهما يملك محلاً قد صفت السطول في مقدمته وقد مُلئت بالأرزاق؛ ما بين هيل يسر الناظرين وقهوة قد عبقت رائحتها وأرز تعانقت حباته، وبعد تصرم السنون ومضت الأيام كان أحدهم يدير تجارة تجاوزت المليار! والآخر لم يزد رأس ماله على المائة ألف ريال فما هو السر!.
إنه ترهل الفكر ومقاومة التغير وتبلد الإبداع والفهم الخاطئ للحياة بالظن أن الأمور تدوم على حال وأن القديم أكثر أماناً!..
ولقد تناقل البشر قولاً مأثوراً عبر القرون الماضية وفيه: العالم كله يفسح الطريق أمام طالبي التقدم! لذا فالخيار لك أم أن تتقدم أو تنح وأفسح الطريق لمن يريد أن يتقدم! والتنحي بالمناسبة لا يعني التوقف؛ بل يعني الرجوع للخلف حتى يغيبك النسيان وتصبح مجرد ذكرى!.
وشركة نوكيا العملاق السويدي قدمت لنا درساً عملياً ونموذجاً حياً عليّ ومثالاً واقعياً على أن من لا يستشرف التغير ولا يتهيأ له ولا يتحرك مع الموج فسوف يجرفه التيار؛ فالشركة (كانت) تؤمن بمبدأ الاستشراف ومجاراة العصر فقد بدأت نشاطها في صناعة الخشب والورقيات وبعد أن تراجعت المبيعات وجدت مجالاً واعداً فاستشرفت له مستقبلاً مشرقاً ألا وهو مجال الاتصالات فحولت نشاطها إليه، ولكن للأسف هذا الفكر ترهل في الأجيال الجديدة للشركة والتي استحوذت على نسبة كبيرة قبل سنوات محدودة على سوق هواتف الجوال إلى أن ظهرت الهواتف الذكية فما استطاعت مجاراتها فتهاوت الشركة وتحولت لشركة خاسرة!.. ويبدو أن أكثر أشد ما أضر بالشركة هو نجاحها القديم والذي أضعف من قدراتها ولم يحرك كوامن الإبداع لديها، وما أصدق قول العالم تشارلز دارون: لا يقدر البقاء للقوي ولا للذكي بل للأفضل استجابة للتغير! وخبراء رياضة (الإيكدو) يؤكدون أن النجاح في الحياة يتطلب منك ثلاثة أنواع من البراعات: براعة مع النفس وبراعة مع الناس وبراعة مع التغيرات وتعني سرعة التكيف معها! فهل يعقل أن هناك من البشر من لا يستخدم التقنية في حياته ولم يستفد من التسهيلات المذهلة التي تقدمها في كل جوانب الحياة؟.. وهؤلاء في جملتهم يحملون صورة ذهنية عن أنفسهم مشوهة.. فلا يرون أنهم يملكون ما يؤهلهم من قدرات كافية لكي يتغيروا!.. ولو جربوا لأذهلوا أنفسهم ومن حولهم.
والتغيير كما يقال هو الشيء الثابت في البشرية فكل ما في الكون يتغير على مدار اللحظة وليس اليوم, إضافة إلى أن الأيام حبلى بالمفاجئات والمتغيرات والتي لا تخطر على بال ولا ترد في فكر!.. والحياة سوف تستمر في التغيير وبإيقاع غاية في السرعة فالعالم أصبح أكثر تشابكا وتعقيداً مما دعا المفكر بيتر فايل أن يطلق وصف (البحر الثائر) على الحياة وغوته يقول: لا تعرف الطبيعة توقفاً قط في مسيرة التقدم والتطور.
تأمل الناجحين دولاً وشركات وحتى أفراداً.. ستجد أنهم تبنوا فكرة التطوير والتقدم؛ إنهم يملكون ثقافة التقدم ويعتنقون مبدأ من لا يتجدد؛ يتبدد!.
إن الخوف من التغيير والخوف من الانتقاد والخوف من الفشل هي العقبات الأساسية أمام التغيير ولكي تتغلب على تلك العقبات عليك أن تؤمن إيماناً تاماً بالله أولاً وأخيراً ثم بنفسك وبقدراتك ولا تقلق بشأن ما يعتقده الآخرون أو ما يقولونه أو يفعلونه.
وعند القوات البحرية قول جميل يفيض حكمة وهو: إن الكابتن الذي ينتظر أن تكون سفينته جاهزة تماماً لن يغادر الشاطئ!..
تقدم ولو بخطوات بسيطة سابق الأيام وابدأ من حيث انتهى الآخرون، وتذكر أن الأمر بيديك إما تتقدم أو أن تفسح الطريق لمن يستطيع التقدم!..
والآن بادر وتحرك وسارع للتطوير والتغير.
ومضة قلم:
ابدأ بالممكن، تجد نفسك فجأة تحقق المستحيل!.