أرجع خبراء متخصصون وأكاديميون في مجال العمل الإسلامي تشتت الأمة الإسلامية وفرقتها في عالمنا اليوم إلى بُعد الأمة عن منهجها الرباني المستمد من القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة؛ وأجمعوا في سياق إجاباتهم على تساؤلات «الجزيرة» في حلقتها الثانية من صفحات ملفها الذي فتحته حول واقع العالم الإسلامي اليوم وما تعانيه كثير من دوله من اضطرابات وأزمات - عن كيفية معالجة مثل هذه الأوضاع، والسبل المثلى للخروج بأمة الإسلام من الشتات والفرقة إلى وحدة الصف واجتماع الكلمة - أن العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - هما النجاة من كل فرقة وتشتت وضياع وضعف لأن بهما الأسس والأصول الواضحة لتنظيم الحياة كلها، ولتقوية المسلمين ورفع راية الإسلام على الدنيا.
منهج القرآن والسنة
بداية، يؤكد الدكتور أمين محمد الشنقيطي الأستاذ المشارك بقسم القراءات بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة أن العالم الإسلامي اليوم يمر بفتن مدلهمة، وفترات ضعف خطيرة وكل ذلك بسبب بعد كثير من أفراد الأمة وجماعاتها عن المنهج الرباني في التعامل مع قضايا الأمة المصيرية، وأيضاً بسبب اتباع الكثيرين منهم لسنن الغرب وأفكاره، الساعية لهدم ثوابت هذا الدين القويم، مشيراً إلى أن السبيل لعلاج هذه الأوضاع هو عودة الجميع - أفراداً وجماعات - إلى المنهج القويم وهو منهج القرآن والسنة وما كان عليه سلف الأمة الصالح من عدم الاختلاف والفرقة، واختلاف الكلمة.. والسبيل الأمثل للخروج بالأمة من هذه الأوضاع هو ترك التشاحن، وبذل الجهد الحثيث في تحصين شباب الأمة، رجالها ونسائها، وأفرادها وجماعاتها، وبث ثقافة التفاهم والتعاون والحوار الهادئ، ونبذ كلّ أشكال التفرق والاختلاف، ومحاربة الأفكار الضالة والمسمومة التي تبثها بعض وسائل الإعلام المغرضة، والرجوع إلى العلماء الراسخين في العلم، وسؤالهم عما أشكل فهمه، وصعب إدراكه، والكفّ عن الخوض فيما لا يعني، وما لا يعلمه الإنسان.
الأزمات والاضطرابات
أما الأستاذ خير الأنوار بن محمد البكري المحاضر المتقدم بجامعة العلوم الإسلامية الماليزية وعضو لجنة مراجعة المصحف في ماليزيا فقال: إن الأزمات والاضطرابات لدى المسلمين في أيامنا الحاضرة لا بد من رجوعهم إلى الكتاب والسنة والله تعالى يقول: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}.. لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الصراعات المذهبية
ويبين الأستاذ محمد عبدو الأستاذ المتعاون مع الجامعة العربية الألمانية للعلوم التكنولوجيا أن واقع العالم الإسلامي اليوم يبعث على الحسرة، بسبب الصراعات المذهبية والطائفية، وبسبب الجماعات الإرهابية التي عاثت في بعض البلدان العربية قتلاً وفساداً, ولا سبيل أمام الأمة الإسلامية إلى جمع كلمتهم وتوحيد صفوفهم سوى بالاعتصام بحبل الله تعالى، والتمسك بتعاليم القرآن الكريم، وتوحيد موقفهم من الجماعات التكفيرية الإرهابية التي أساءت إلى الإسلام، وشوهت صورته.
التواصل بين الدول
وأعرب الأستاذ أبو طلحة محمد يونس الكشميري الباحث في مرحلة الدكتوراه عن اعتقاده أن الحل الوحيد هو التواصل فيما بين الدول على مستوى عال، ومن ثم تشكيل وفود على أصعدة مختلفة للبحث في المشاكل ووضع الحلول لها.
بناء الشخصية
وتشير الدكتورة أميرة عبد الرحمن علي عمار الأستاذة بكلية الآداب بجامعة طنطا إلى أن الدولة الإسلامية امتازت إبان فترة النبوة وعهد الخلفاء الراشدين بالوحدة واستظلت بعد الرسول صلى الله عليه وسلم بظل الخلافة، فكانت الكلمة واحدة، والصف واحداً، والغاية واحدة والكل يسير للإسلام وبالإسلام، ولعل الأسس التي قام عليها العالم الإسلامي في ذلك الوقت والتي تمثّلت في العدل، والمساواة، والحكم بالشورى، وإقامة توازن بين الفرد والمجتمع وسيطرة روح الإسلام، وإحلال الدين محل رابطة العصبية، والقدوة الحسنة كانت سبباً في سريان القوة في أوصال العالم الإسلامي.
وأضافت تقول: إن تجنب الضعف والانحلال في أي فترة من الفترات القادمة، يكون ببحث أسبابه والعمل على تلافي هذه الأسباب في المستقبل، ولقد برز من هذه الأسباب: الفتن والثورات الداخلية، والخلافات العقدية والمذهبية، وهي أسباب داخلية، نبعت من داخل العالم الإسلامي, وكان لها أثر كبير في إضعافه وتمزيقه من الداخل، فكانت الفرصة سانحة في تلك الفترة لأن تنقض العوامل الخارجية وتنال من العالم الإسلامي الضعيف لتتركه في النهاية جثة هامدة، فأتت الأسباب الأخرى من خارج العالم الإسلامي والتي تمثلت في الغزو الخارجي المسلح والغزو الثقافي، واصطلحت هذه العوامل الخارجية مع العوامل الداخلية فنالت منه نيلاً عظيماً، ولا بد من القضاء على هذه الأسباب لتعود القوة إلى العالم الإسلامي، والقضاء على الخلافات الداخلية سواء العقدية أو المذهبية أو الفتن والثورات، وذلك يكون بإيجاد وعي إسلامي ويقظة إسلامية تعمل على إفهام الناس - بشتى الوسائل - مقاصد الدين وأهدافه، وتشرح باستفاضة مكايد العدو وأفكاره الخبيثة، وأهدافه التي لا يألو جهداً في تحقيقها للنيل من الإسلام والمسلمين، وذلك لن يتحقق بحال إلا إذا التزمت الحكومات في البلاد الإسلامية المختلفة بالإسلام، وبعثته في جميع نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية.. فعزة العالم الإسلامي تكمن في «الإسلام».
وختمت حديثها بالقول: القضاء على هذه الأسباب التي أدت إلى تفتت العالم الإسلامي - فيما نرى - يكون كذلك بإعادة بناء الشخصية الإسلامية بدءًا من النشء والاعتناء بتربيته، ومرورًا بالشباب ومحاولة فهم أفكارهم وتصحيحها إن كانت تحتاج إلى تصحيح، ولا يخفي ما للمرأة والأسرة - بصفة عامة - من دور في صحوة العالم الإسلامي ونهضته، ومما لا شك فيه أن العالم الإسلامي يحتاج إلى إعلام إسلامي قائم على تبصير المسلمين بالحقائق دون زيف أو تزييف، وقائم على تقديم المضمون الإعلامي مرتبطاً بالمنهج الإسلامي في شتى نواحي الحياة.
التعاون العلمي
أما الأستاذ صاحب عالم الأعظمي الندوي الباحث في مرحلة الدكتوراه في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة فيؤكد أن الأمة الإسلامية بحاجة ماسة إلى الخروج من زلاتها وكبواتها، والاهتمام الشديد بالعلم والتعليم والثقافة، فالعلم والتمسك بالدين الإسلامي الطريق الوحيد لحل الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية.. ولكي تتحقق هذه الأهداف لا بد من الاحتكاك والانسجام مع الثقافات الأخرى والاستفادة من كوادرها والتعارف إلى بعضها البعض.. والتاريخ الإسلامي مليء بالوقائع التي تؤكد على اهتمام المسلمين بأخذ العلوم من الآخرين والاستفادة منها والقيام بتطويرها بل وتعريفها لهم وللآخرين، وهذا هو الأمر الذي ساعد الحضارة الإسلامية للتطوير والازدهار في ذلك الوقت.. فنحن بحاجة شديدة إلى فهم الآية القرآنية {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}، والعمل بموجبها، فهي تحمل في طياتها معاني ومفاهيم إنسانية كبيرة.
رفع راية الإسلام
ويؤكد د. عبد الله بن محمد بن مهدي الأنصاري الأستاذ المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن واقع العالم الإسلامي اليوم في عمومه يسوء الصديق ويسر العدوّ، بسبب ما وقع فيه المسلمون من الخلاف والتدابر والتخاذل، فتسلط عليهم العدو واستهان بهم، واستأثر بثرواتهم وثقافتهم، ومزقهم وشردهم وضرب بعضهم ببعض، وتلك نتيجة النزاع كما ذكر الله تعالى في قوله: {ولا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} والإفاقة والتعافي من هذا الوضع لن يكون إلا بالرجوع إلى هذا القرآن، والاجتماع عليه، وفهمه وتحكيمه، وبيان أحكامه ونشره، واعتماد سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - منهجاً في السلوك والأخلاق، وفي تدبير الأمور وسياستها وتنظيمها، وعلى رأس ما يجب على المسلمين لتحقيق ذلك العناية الكاملة بالعلم والعلماء، ومحاربة الجهل والتدني الثقافي، والحرص على ما يجلب وحدة الصف، وإقصاء أسباب الخلاف والتفرقة، ففي القرآن والسنة الأسس والأصول الواضحة لتنظيم الحياة كلها، ولتقوية المسلمين ورفع راية الإسلام على الدنيا كلها، قال الله تعالى: {وإنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً } وقال - عز وجل -: {واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا ولا تَفرَّقُوا} وقال - صلى الله عليه وسلم -: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا» وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِن الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُه].
التأخر العلمي
أما الدكتور عبد المولى السيد أبو خطوة مدرس تكنولوجيا التعلم بكلية التربية بجامعة الإسكندرية فيقول: إن العالم الإسلامي يعاني من الفرقة والتشتت، والتأخر العلمي والتكنولوجي مقارنة بالدول المتقدمة مثل: أمريكا وأوروبا، واليابان، بالمقارنة بكثير من دول العالم الثالث كالهند والبرازيل، كما يعاني العالم الإسلامي من الاضطرابات الداخلية والخارجية، وانتشار الفكر المتطرف الذي يفرق الأمة ويجعلها فريسة للتدخل الخارجي والتبعية الدولية، ولا توجد رؤية واضحة للتعاون المشترك وتحقيق الصالح العام للأمة الإسلامية، في وقت قد تكاتفت فيه دول العالم في صورة تكتلات اقتصادية - الاتحاد الأوربي - وعسكرية وغيرها؛ ومن ثم نحتاج إلى وحدة الصف الداخلي ليكون الجميع على قلب رجل واحد، وتحقيق الوحدة والتكامل بين دول العالم الإسلامي والتمسك بكتاب الله وسنة نبيه محمد، وأن نعلم أن الله ظاهر دينه فقد قال - صلَّى الله عليه وسلم -: (ليبلغن هذا الأمر ما بَلَغ الليل والنَّهار، ولا يترك الله بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلاَّ أدخله الله هذا الدِّين بعِزِّ عزيز، أو بِذُلِّ ذليل، عزًّا يعزُّ الله به الإسلام، وذلاًّ يذل الله به الكفر).
تاريخ الأمة المضيء
ويقول الدكتور محمد فوزي مصري رحيل أستاذ التاريخ الإسلامي المساعد المنتدب: واقع العالم الإسلامي اليوم هو النزاع والتخاصم والتشرذم والتفرق ومن ثم ذهبت ريحنا قال الله عز وجل: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، وترتب على هذا أن ضعف شأن المسلمين ومن ثم لن يصلح حال هذه الأمة إلا بالتمسك بكتاب الله وسنة نبيه الكريم قال: «تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما ما تمسكتم بهما، كتاب الله وسنتي» فالحل الأمثل لخروج الأمة من حالة الشتات والتشرذم يكون بالنظر في تاريخ الأمة المضيء لرصد أسباب القوة والرفعة، بجانب رصد أسباب الانهيار والفشل وما وقف وراءه عوامل، وعلى هذا الأساس تبدأ حكومات الدول الإسلامية النهضة الحديثة في مختلف المجالات بلا استثناء وهو ما يضمن الاستفادة من الحضارات الأخرى بشكل يتناسب مع ثوابت الحضارة الإسلامية ومبادئها المستمدة من القرآن والسنة.
قضايا إسلامية
ويقول الأستاذ بدر محمود مصطفى إبراهيم مدير القسم اللغوي بشركة يونيفوكس التابعة لشركة IST بمصر: للأمانة، لم يسبق لي المشاركة في مؤتمرات تخص قضايا إسلامية بعينها، وإنما كانت مشاركات وأبحاث في مجال التخصص في القرآن الكريم واللغة العربية والخط العربي وحوسبة الخطوط.. ولكني كمسلم مهتم بشأن أمة، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم» أو كما قال..)، فأرى أن صلاح هذه الأمة يكون بما صلح به أولها، هكذا تعلمنا، فالاتحاد قوة والتفرق ضعف، وما يجمع هذه الأمة من أشياء لهو الأولى أن يكون سبباً في اجتماع كلمتها وتوحيد صفها، كالقرآن واللغة والتاريخ المشترك والفنون والآداب والأخلاق العامة التي تتسم بالتشابه الشديد في جل بلاد العرب والمسلمين.