جميعا نقرأ ونؤمن بالآيات التي حثنا الله سبحانه وتعالى فيها على التلاحم والوقوف صفا واحدا، وأيضا تلك التي أخبرنا فيها عز وجل أن أساس البشرية واحد وأن اختلافنا آية من آياته ومعجزة أمرنا بالتأمل فيها حيث قرنها في بعض الآيات بمعجزة خلق السماوات والأرض حيث قال فيها يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (سورة الحجرات: 13). وقوله تعالى: وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ( سورة الروم:22)، ذكر الاختلاف هنا في أكثر من موضع في القرآن الكريم ذلك الاختلاف الذي هو سنة أبدية مادامت الحياة على هذه البسيطة. بل إن مجتمعنا الإسلامي في بداية نشأته وعند الفتح المبين فتح مكة وبداية عصر الإسلام على يد نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم- كان قائماً على الاختلاف فبلال الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي ومارية القبطية والأنصاري والقرشي نتج عنهم أعظم دولة عرفها التاريخ. لكن اليوم وللأسف نرى أحفادهم يتنابزون بالألقاب وشخصنة المواقف والأفكار لمجرد الاختلاف، فاختلافي عنك واختلافك عني لايعني عداوتك ومعاداتك لي، فاختلافنا في الدين والمذهب والطائفة والفكر والثقافة وتطبيق السلوكيات الدينية واختلاف اللهجة واللون والعادات لا يجعل أياً منا عرضة للانتقاد من الآخر والاستهزاء والتهجم والسخرية والقذف والافتراء، ولا يعني أن أياً منا على خطأ والآخر على صواب، أما آن الأوان أن نعي يا من نؤمن بكتاب الله وسنة نبيه قوله تعالى َأفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا (الرعد : 31).
فالله إذا أراد شيئا يقول له كن فيكون، فهو سبحانه يريدنا مختلفين فالاختلاف سنة كونية تجعلك تتأمل وتتفكر في بديع خلق الله وفي اختلاف خلقه وشؤونهم، فالغاية من اختلاف البشر ليس خلافهم إنما التكامل وتبادل المصالح والمنافع فبرغم اختلافنا إلا أن مرجعنا إلى الله وكلنا لآدم وآدم من تراب وفينا نفخة من روح الله، فنحن من خلقه سبحانه الذي خلق كل شيء بقدر، ولو انشغل كل منا بإصلاح نفسه وتصحيح عثراته وتقويم ذاته ومراقبتها كان أولى من التدخل والتعنيف لتغيير الآخر وفرض آرائك ومعتقداتك الشخصية عليه وتغيير السنن الكونية التي سنها الله في اختلاف خلقه. حتى إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سنة الله علينا بالرفق واللين والستر والنصح وليس بالفرض والإجبار والإكراه والإضرار.
فاختلافنا لا ينافي آدميتنا وإنسانيتنا التي هي حق مشروع وأساس معيشتنا جميعا، فاختلافك عني لا يعني خطؤك وصوابي ولا خطئي وصوابك لا يعني تعدي كل منا على حدود الآخر، ولا يعني التطاول على آدميتك ونسبك ولونك ولسانك التي هي من آياته عز وجل ولا يعني أن أستبيح عرضك وأستسهل الحديث فيه بكلمات تحرمها جميع الشرائع والأديان، ولا يعني أيضا أن أقلل من شأنك فأنت رائع كما أنت وأنا رائعة كما أنا. وتذكر أن أموالكم ودماءكم وأعراضكم عليكم حرام.
أن جمال النفس والروح وروعتها مقدم على الشكل واللون والدين واللغة والجنسية، لا يوجد قالب ونموذج تضع فيه كل ما تريد لتقيس كماليته ومثاليته، فأنت بالشكل المناسب والمثالي الذي خلقك الله عليه فعليك تقويم ذاتك وتصحيح عثراتك فالحساب لرب العباد، وكل نفس بما كسبت رهينة. فكلنا إخوة بالآدمية لنا الحق بالعيش على هذه الأرض التي لا تساوي عند الله جناح بعوضة في هذا الكون الفسيح، وفي هذه المجرة التي هي من بين مئات المجرات المليئة بملايين الكواكب، نعيش كما نحن وكما أراد الله عز وجل ولقول رسول الهدى والسلام (لا ضرر ولا ضرار).