تشير الدراسات المختصة إلى أن الاقتصاد الوطني يفقد سنوياً ما يزيد عن ثلاثمائة مليار ريال سعودي، بسبب التستر التجاري، وهو الذي يعني - وفقاً لأحكام المادة الأولى من نظام مكافحة التستر - تمكين الوافد من استثمار أو ممارسة نشاط تجاري لحسابه، أو بالاشتراك مع غيره محظور عليه ممارسته، أو لا يسمح له نظام استثمار رأس المال الأجنبي ممارسته!
يشغلني كثيراً، لماذا يتكاسل المواطن إلى هذا الحد، كيف يثق بوافد يمكنه من استخدام اسمه أو ترخيصه أو سجله التجاري لممارسة هذا النشاط التجاري أو ذاك؟
وعلينا أن نعرف أيضاً أن التستر يمارسه الأجنبي أيضاً، الذي يمتلك سجلاً تجارياً حسب نظام الاستثمار الأجنبي، ويمكن وافداً آخر من ممارسة التجارة من خلال عقد صوري بالراتب والميزات... بمعنى أن هذا التضليل تكشفه أرقام التحويلات الفلكية للأجانب في المملكة إلى الخارج، والتي تزيد كثيراً عن حجم مجموع دخل هؤلاء الأجانب العاملين في الداخل.
إذا كان هناك مرض قاتل ينخر في جسد الوطن، فهو قضية التستر التجاري بلا منازع، هو لا يقل فتكاً عن المخدرات، التي تهدد الكيان الاجتماعي، وهذا بدوره يهدّد الاقتصاد السعودي، صحيح أن اقتصادنا قوي ومتين، ولا نلتفت لما يقلّل منه، لكن ضرورة القضاء على هذه الظاهرة، بفرض أنظمة رقابة صارمة، والتعامل مع مرتكبها كجريمة يفرض عليها القانون أشد العقوبات، هو ما قد يخفف منها، أو حتى يمحوها للأبد!
فكم هو مخجل أن يطوف الشباب بملفاتهم على شركات يفترض أن ملاّكها مواطنون، لكن الواقع يقول إن ملاّكها أجانب، تحت اسم مواطن يتسلَّم فتاتاً شهرياً، من أموال ضخمة كان هو الأحق بها، لو كان له ضمير حي ويقظ، بل يزداد الأمر سوءاً أن يمتلك هذه المحلات مواطنة ليس لها من الأمر شيء، واستغل زوجها اسمها، وباعه بلا ذمة لأجانب مقابل حفنة زهيدة من المال الشهري!
ولعل ما يجعلنا نمتلك أملاً في علاج هذه الظاهرة، هو أن وزارة التجارة والصناعة تعكف حالياً على إجراء تعديلات جديدة على الدفاتر التجارية والسجل التجاري، من شأنها الحد من التستر التجاري، ولعل في الإشارة الذكية لولي ولي العهد في تصريح له، حول أن التعاملات الإلكترونية ستحد من الفساد، تحفز كثيراً من الجهات الحكومية على الاعتماد على التعامل الإلكتروني في معظم تعاملاتها، وربما الاستعانة بجهات رقابية جادة وصارمة على العمل التجاري، سواء من القطاع الحكومي أو القطاع الخاص، يخفف من هذه الظاهرة المعيبة!
وحين أقول المعيبة والمشينة، فهي بحق خيانة حقيقية وعلنية للوطن، وسلب مقدراته، وحرمان مواطنيه الآخرين، الجادين، من فرص تجارية سانحة، مقابل الاسترخاء وكسب دريهمات قليلة، مقابل منح الوافد الأموال الضخمة التي كان المواطن أحق بها!
لا بد من توحيد الجهود، والعمل المشترك والمستمر بين وزارتي العمل والتجارة والصناعة، للحد من التستر التجاري، لا بد من الجولات التفتيشية المستمرة على مختلف قطاعات الأنشطة التجارية، وعلى نظامية العاملين بها، لا بد من فرض عقوبات صارمة ومباشرة على من يثبت ممارسته للتستر التجاري في تجارته... إلخ من حلول منتظرة.