عندما كنا صغارا كنا نرى العالم كوردة تتفتح. تنتظر أن تشرق عليها شمس قلوبنا لتكتمل. كنا نتوق لنرى الغد ونحلم بأن نكون. كنا أطفالاً بريئين. ساذجين, كنا طيبين.
عندما كنا صغاراً كانت الدنيا صغيرة وبريئة كبرائتنا. وكانت الأيام تمشي بتؤدة كخطوات أرجلنا الصغيرة. كانت الأيام ترقبنا لنكبر معاً. كانت الأيام رفقة، والساعات أنس والدقائق كانت كريمة معنا. كانت عقارب الساعة تعانق بعضها البعض وتعانقنا كي لا تشعرنا بالغربة والبعد. كانت دافئة وصبورة. كانت كذلك طيبة.
عندما كنا صغاراً كان التلفاز أصغر وكانت الأخبار كلمات. كانت الأعمال فناً والفن فحوى. كانت الأعمال تحكينا، تسلينا، تزكينا، ترقي روحنا وتربينا. كانت الأعمال طيبة كطيبتنا أو كنا نحن مثلها، طيبين.
عندما صرنا كباراً راح جيل الطيبين. وجاء جيل رأى الوردة ذابلة صناعية، والدنيا كبيرة. جاء جيل يركض خلف الدقائق الهاربة ويعيش باحثاً عن لحظات ضيعها أمام شاشات مسطحة عملاقة تظهر له العالم الكبير بكل ما به من عنف. جاء جيل اختار أن لا يكون طيباً وخاف أن يسمي نفسه باسمه. فإن لم يكن طيباً كان شريراً. جاء جيل شعاره «راحوا الطيبين». جاء جيل اسمه «جاءوا الأشرار». وصار الطيبون يخجلون بوصفهم ويحاولون أن يداروا طيبتهم خلف قناع الجيل الجديد. صار الطيبون ماضياً!! صارت الطيبة عاراً!! صارت الطيبة مرادفاً للغباء. فيا للعجب!