من الحقائق المسلَّم بها لدى كثير من المفكرين أن الدين سابق على الفلسفة والفكر.. وأن الحقائق والقيم الدينية أسبق من الحقائق والقيم الفلسفية. ومعنى هذا أن الإنسان مدين للتوجيه الإلهي والوحي الديني في معرفته بالقيم والمثل والمبادئ الخلقية السامية؛ ولهذا يكون منطقياً أن نعتمد على القرآن الكريم وحده في إمدادنا بالنماذج والمواقف التي ترينا كيف نشأت الفكرة الخلقية.
وقد تظهر مدى فاعلية السمو الخلقي والصفح والنبل، وهي عناصر للجمال الخلقي، وتكتمل بها الإرادة الخلقية أيضاً، كما في قصة يوسف عليه السلام، حينما استمع إلى هجوم إخوته عليه (مرة أخرى) واتهامهم له بالسرقة، ومع هذا فلم يجابه هذا الاتهام غير الخلقي بما كان يتوقع من الانتقام، ولاسيما أنه قد أصابه من أذاهم الكثير، وهو قادر على أن يفعل بهم ما يحلو له، بيد أنه كان من جمال الخلق بحيث سمح لهم بالانصراف دون أن يزودهم بما يريدون، هادفاً من وراء ذلك أن يتحقق اللقاء المشوق بينه وبين أبويه وإخوته.
أما لو انتقلنا إلى فاعلية السمو الخلقي في مجال التربية والإصلاح فإنه ينبغي أن يوجه الاهتمام إلى الاتجاهات الخلقية البناءة لدى الشباب والمتعلمين وسائر أفراد المجتمع الإسلامي.
ولعل في الاهتمام بالقيم الخلقية الإسلامية ما يساعد إلى حد كبير على وضوح الرؤية لدى شبابنا، وعلى الخروج من تلك الدوامة التي يجدون أنفسهم بين رحاها؛ إذ إن هذه القيم الإسلامية التربوية تمكنهم من تصحيح نظرتهم تجاه الأمور والقيم، كما تمكنهم من التفرقة بين الغث والثمين والخطأ والصواب، فيختارون - من ثم - السلوك الخلقي الملائم.
أيضاً نحن بحاجة إلى التربية الخلقية الإسلامية في كل مجال من مجالات العمل، ولا أدل على ذلك من أن كل مسؤول عن أي موقع من المواقع عندما يتناول المشكلات التي تعوق انطلاقة العمل في موقعه فإنه يضع المشكلة الخلقية على رأس تلك المشاكل إن لم تكن كلها.
ومما سبق يتضح لنا أننا بحاجة ماسة إلى الأخلاق الإسلامية في المدرسة والجامعة والمعهد والمصنع والحقل والمختبر والبيت، وفي الشارع وفي السوق وفي المسجد والمؤسسة والهيئة والمكتب والإدارة والوزارة.. وفي مجالات نشاطنا كافة. ونحن بحاجة إلى التربية الخلقية كما نجدها في الفكر الإسلامي عند التخطيط وعند التنفيذ.
كما أننا بحاجة إلى التجرد من الدوافع المصلحية والأنانية والهوى أو التحيز لأحد دون الآخر، وأيضاً نحن بحاجة إلى نظرة موضوعية في كل ما تقوم به من أنماط النشاط.
وينبغي علينا أن نغلب مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد، وذلك موجودٌ في الفكر الخلقي الإسلامي، وهو لب فكرة مراقبة الله أو توافر النية الطيبة.
كما يفترض علينا كذلك في كل موقع من مواقع المسؤولية اختيار الشخصية القدوة التي تتمتع بالخلق الإسلامي الأصيل الذي يقوم على الحرص الشديد بقدر المستطاع على تحقيق المصلحة الإنسانية العليا، وتغليب هذه المصلحة على كل ما عداها.
إضافة أيضاً إلى أنه يفترض أن تتسم هذه الشخصية التي وقع عليها الاختيار بالفضائل والسمات الخلقية الإسلامية، فتتحلى بالصبر والحكمة وقوة الإرادة والرحمة ونفاذ البصيرة والحنكة والدراية واليقظة، كما تتسلح بالمعرفة والعلم، وتتميز بالوفاء والتفاني والتجرد، وتهتم بالعمل أكثر من اهتمامها بالكلام والثرثرة الفارغة، وتتجنب التخبط والتهور، وهذه الشخصية القدوة تستطيع أن توفر كل الضمانات لإنجاح أي عمل من الأعمال التي تتصدى لها بكفاءة واقتدار.