لم تعد الأحداث الإرهابية التي تشهدها مصر مجرد مواجهات بين الجماعات الإرهابية والأجهزة الأمنية؛ فالذي يجري الآن على أرض المحروسة معركة مصيرية بكل معاني الكلمة. ومع أن المقصود هنا تدمير أمن واستقرار مصر إلا أن الهدف النهائي هو قهر الإرادة العربية عبر تدمير مصر أمنياً وسياسياً واقتصادياً.
فالإرهاب الأسود الذي يستهدف مصر لا يقتصر على الجماعات الإرهابية المشكّلة من فلول الناقمين من جماعة الإخوان المسلمين؛ فما هم سوى ستار لعمل دولة معينة واستخبارات متعددة ومنظمات إرهابية؛ ولهذا نرى خليطاً من العمليات الإرهابية التي تحصل في مصر.. عمليات هدفها إشغال وتشتيت تركيز الأجهزة الأمنية، وعمليات إرهابية مركبة، تُنفَّذ من جماعات منظمة ومدربة، يضع خططها خبراء متخصصون. والذين يقفون وراء كل هذا جهات استخبارية، لها باع طويل في وضع وتنفيذ خطط تفكيك وتدمير الدول.
هذه الجهات عندما وجدت أن الدولة المصرية نجحت - إلى حد ما - في محاصرة الإرهاب في شبه جزيرة سيناء نوعت خطوطها وأعمالها بالتوجه إلى دلتا مصر، بعد أن وجدت صعوبة في اختراق الإجراءات الأمنية في سيناء، التي استطاعت الأجهزة الأمنية والوحدات العسكرية تقليص العمليات الإرهابية بها؛ وهذا ما دفع الجهات الداعمة والموجهة للإرهاب في مصر إلى اللجوء للبحر بعد أن أُغلقت المنافذ البرية؛ إذ أدى إغلاق الأنفاق، وبخاصة مع غزة، ومراقبة منافذ العبور والحدود مع ليبيا والسودان إلى صعوبة وصول الأسلحة ومعدات التفجير الإرهابية؛ ما أدى إلى سلوك منفذ آخر، هو تهريب المعدات والأسلحة وحتى الأفراد عن طريق البحر، وهو ما تمثل في عملية دمياط؛ إذ حاول الإرهابيون مفاجأة السلطات المصرية باستعمال السواحل البحرية، وهي طويلة، سواء سواحل البحر الأبيض المتوسط أو البحر الأحمر، وحاول عدد من الإرهابيين، يستقلون أربعة زوارق سريعة، إنزال معداتهم وأسلحتهم وبعض الرجال في محافظة دمياط، إلا أن البحرية المصرية رصدت عمليتهم وهم داخل عمق البحر الأبيض المتوسط؛ ما أدى إلى التصدي لهم، والقبض على عدد كبير من المهاجمين وهم على مسافة بعيدة من سواحل دمياط.
ومع أن البحرية المصرية فقدت بعضاً من رجالها، واحترق أحد مراكبها، إلا أن التصدي للعملية وإفشال المخطط الإرهابي يُظهران جاهزية الأجهزة الأمنية العسكرية المصرية واستعدادها التام لمواجهة الإرهاب من أي جهة يقدم منها. ومع هذا، فإن خبراء مكافحة الإرهاب يرون أن المعركة بين الدولة المصرية والإرهاب بدأت تدخل في تفرعات وأساليب، تكشف مدى ما يسعى إليه هؤلاء الإرهابيون والجهات الدولية والإقليمية التي تدعمهم.
وهدفهم إبلاغ رسالة إلى المجتمع المصري، تتلخص في عجز الدولة عن إعادة الهدوء إلى الشارع المصري؛ ولذلك فهم يمزجون بين العمليات المركبةالإرهابية الكبيرة، كعملية القواديس وساحل دمياط، وكذلك العمليات الصغيرة المتمثلة في تفجير عبوات وقنابل بدائية في قطار الأنفاق والقطارات لشل المواصلات، وتعطيل المواطنين عن أعمالهم، وإثارة الذعر في صفوفهم.