لا شك أن للصمت نواحي إيجابية وأخرى سلبية, ذكرها جميعاً يدعونا للإطالة لكن سأذكر ما أعرفه من وحي السليقة.
الصمت السلبي هو الصمت عن الحقوق التي يجب الصراخ لاقتصاصها لربما أودت بنا الصرخات إلى أعماق الجحيم, لكن في الآن نفسه, نحن لا نتحدث بلسان الجبان الذي لا يقوى على المفاوضة لأخذ حقوقه بل بلسان المتقي الطرف الآخر، حيث إنه كثيراً ما يكون الصمت سيد الإنقاذ في كثير من الأمور, فكم ممن ناضلوا لأخذ حقوقهم, سقطوا في أعماق الجحيم الذي لا قيعان لها, فالاقتصاص حتماً يتطلب التدبير بحكمة في غياهب الصمت, لا بالصراخ والمفاوضة.
والصمت عن قول الحق أيضاً هو من أنواع الصمت السلبي. بينما هو إيجابي في بعض الأحيان.
لكن بعيداً عن الصمت عن الحقوق الذي هو من أكثر أنواعه سقماً والذي لا أود الإسهاب في الحديث عنه فهو موضوع مستقل, مؤثر في معظمه, بلا مبالغه يحتاج قلباً قوياً وعيناً تكبح جماح الدمع إزاء ما تواجهه بعض الفئات من المجتمع من هضم حقوق علانية أمام أنظار الملأ, بل أود الحديث بشكل متناهٍ جداً للسهولة عن صفة الصمت الذي يأبى الحديث عندما نكون في أشد الحاجة لأنفاس، بل زجرات تنقذ مسامعنا من التيه في دنيا الملل من تغافل الآذان عن تلك الأفواه التي تعالت استغاثاتها استنجاداً قبل أن توافيهم المنية.. برأيكم لأي نوع نصنف هذا الصمت؟..
فبالصمت الإيجابي نستطيع السيادة كما نستطيع معرفة شيء مما تخفي السرائر, كما أنه السلاح الأقوى في وجه الكثير من المشكلات, بينما الشخص الصامت يوجب الاحترام والتوقير لنفسه بعكس الشخص الكثير البلبلة, عن الأعمش عن إبراهيم قال: «كانوا يجلسون فأطولهم سكوتًا أفضلهم في أنفسهم»
ففي فترة الصمت غالباً ما نشتاق لنقاشات عقيمة وانتقادات عميقة من أشخاص أعزاء لم نلق لها بالاً، بل أغضبتنا كثيراً عندما سمعناها. حيث نبدأ بسماع عالم نعير الاهتمام لسماعه في تلك الفترة.. لم نأبه به من قبل ولربما تعالي الأصوات لم يسمح لنا بذلك, وتلك الأصوات التي دائماً تتكرر في غياهب الأحلام تمنينا أن نسمعها بأذني الصمت, لطالما قد أتاح لنا الفُرَص للإمساك بحبال الأفكار التي أوشكت أن تفلت منّا في أدراج الزمان..
فكثير من الأفكار قد أُهملت إلى أن استلقت على ذلك السرير الأبيض تصارع الممات, سرير النسيان ولكن ما لبث الصمت أن مسح على جسد كل فكره بيده السحرية إعادة لكل واحدة قواها الجسدية حتى اُنْصّبَت قوية مصرةً على الإقدام.
فبالصمت الإيجابي تتجلى الأشياء المبهمة وينجلي الغبار عن كتيبات الأفكار المؤقتة وتعود الذكريات الجميلة والمريرة أيضاً.
ونبدأ بالتفكير بما شغلتنا الحياة ومهاتراتها عن التفكير به, لكن نحن بذكائنا وبالنظرة المتفائلة للحياة نستطيع بناء مستقبل أفضل بالتفكير البنّاء تحت ظلال الصمت, كما نستطيع أن نجعل صمتنا إيجابياً في جميع الأحوال.
إذاً يبقى الصمت الإيجابي هو الملاذ الوحيد عندما تمتلئ الحياة بالأفكار المتضاربة والنقاشات التائهة في طرقات التفاهم والمصارحة والوقف مكتوفي الأيدي أمام عقبات الحياة.. فالصمت يمتلئ بالتساؤلات الحائرة لماذا؟ ولماذا؟ ولعل وعسى, لكن يظل جالباً الحلول لكثير من تلك التساؤلات والانتقادات فلنعش نصف الحياة نقاشات وكلامًا من كلا الصنفين الشافي والجارح والنصف الآخر الصمت الذي فيه يتم تصفية جميع أنواع الكلام, وأكرر أيضاً بأننا نستطيع أن نجعل صمتنا إيجابياً في جميع الأحوال. فلنحمد الله على نعمة الصمت الإيجابي التي فيها ارتياح للأسماع وراحة للقلوب واستكانة للأجساد.