يتلخص أحد الأجزاء الأكثر إثارة للاهتمام في وظيفتي عميداً لكلية إدارة الأعمال في المحادثات الصريحة التي أتبادلها مع القادة في مختلف الصناعات. قبل بضع سنوات، بدأت أستمع إلى عبارة متكررة مزعجة للغاية: يستشعر قادة الأعمال ذلك النوع من الازدراء العام بمجرد تحولهم إلى العمل السياسي.
الحق إنها مشكلة ثقة - أو الافتقار إليها. إذ يكشف مقياس إدلمان للثقة لعام 2014 أن أقل من 20% من سكان العالم يعتقدون أن المسؤولين في الشركات والحكومة يقولون الحقيقة عندما يجدون أنفسهم في مواجهة مسألة صعبة.
وتؤثر هذه المشاعر الشعبية على عالم الأعمال في مختلف أنحاء العالم. فقد وجد استطلاع توقعات الأعمال العالمية الذي نشرته مجلة جامعة ديوك للمسؤولين الماليين أن ما يقرب من 60% من المديرين الماليين في الولايات المتحدة يعتقدون أن الافتقار إلى الثقة العامة ألحق الضرر ببيئة الأعمال. وترتفع النسبة في أجزاء أخرى من العالم.
ولكن نظراً للتيار الثابت من الانتهاكات الأمنية وتلك المتعلقة بالبيانات، ومزاعم التلاعب المالي الذي تتورط فيه بعض البنوك الأكثر احتراماً في العالم، فمن قد يلوم عامة الناس؟ الواقع أننا الآن في احتياج إلى زعماء قادرين على استعادة ثقة الجمهور أكثر من أي وقت مضى. ويتعين علينا لتحقيق هذه الغاية أن نعيد تعريف مؤهلات قائد الأعمال المقتدر.
تقليدياً، كان المجتمع يقيس كفاءة العمل التجاري استناداً إلى القدرة الفكرية التي يتمتع بها الشخص في دراسة وفحص المشاكل على نطاق واسع وعميق. ولكن حتى يتسنى لنا أن نغتنم الفرص العالمية اليوم، فنحن في احتياج إلى التأكيد على بُعد جديد: القدرة على خلق مجموعة مشتركة من القيم وتعزيز الثقافة التي تحتضن هذه المعتقدات. والقيام بهذا يتطلب اتخاذ ثلاث خطوات ربما تكون غير مريحة أحياناً.
فأولاً، يتعين على قادة الأعمال أن يتغلبوا على خوفهم من التعلم من الآخرين.. وقد يبدو هذا بسيطاً، ولكن كم عدد المسؤولين التنفيذيين الذين قد يعترفون بأنهم لا يعرفون كل شيء أو أنهم ليسوا أذكى الأشخاص في الغرفة؟ الواقع أن العديد من قادة الأعمال يتحدثون كثيراً عن التنوع ولكنهم يحيطون أنفسهم بأشخاص على شاكلتهم. إن العمل بشكل وثيق مع آخرين يفكرون بشكل مختلف قد يكون مخيفاً ومحبطاً. ولكن أفضل القادة يتمتعون بالشجاعة اللازمة لتشجيع الصدق والموثوقية في أنفسهم والآخرين.
وثانياً، ينبغي لقادة الأعمال أن يتبنوا طموح الآخرين. إن سقوط العديد من قادة الأعمال في السنوات الأخيرة كان مرجعه إلى الجشع والطموح الأناني. إن القادة العظماء يركزون على الآخرين وليس على أنفسهم. فهم يتبنون عقلية «نجاحكم هو نجاحي».. ويقطع هذه الموقف شوطاً طويلاً نحو تنمية الثقة بين أعضاء الفريق ويساعد في تعزيز الالتزام القوي برؤية مشتركة.. وهو يلزم القادة أيضاً بالثقة في الآخرين الذين لن يسيئوا استغلال الثقة الموضوعة فيهم.
وأخيراً، يتعيّن على قادة الأعمال أن يحرصوا على إعلاء قيمة التعاون.. فالقادة الذين يتغلبون على الخوف والإحباط، ويتبنون طموح الآخرين، ويملكون الشخصية القوية وحس الهدف، من المرجح أن يتمكنوا من بناء فِرَق مختلفة يتقاسم أفرادها الهوية والأهداف المشتركة ولكنهم رغم ذلك يمثّلون أنفسهم بصدق وأصالة.. وقد أثبتت البحوث أن مثل هذه الفرق تتفوق على غيرها، وهو ما يعني أن هذا النهج من الممكن أن يؤدي إلى ميزة تنافسية هائلة. باختصار، التعاون ليس عنصراً مهماً فحسب، بل إنه يكفل الفوز أيضاً.
وما علينا إلا أن نتخيل الإمكانات الهائلة التي قد نستعين بها على حل عدد من أشد التحديات قسوة في العالم إذا تبنى قادة الأعمال هذه الإستراتيجية.. ولنتأمل هنا التهديد العالمي الذي يفرضه مرض الإيبولا. إن الجهود تجري على قدم وساق للبحث في، وتصنيع، وتوزيع، العقاقير التجريبية القادرة على علاج المرض.. ولكن حتى الآن كانت شركات الأدوية تتجاهل الإيبولا إلى حد كبير، لأن الأرباح التي قد تترتب على تطوير عقار لصالح مجموعة غير قادرة على تحمل تكاليف شرائه تبدو ضئيلة للغاية.
في الشهر الماضي، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في أحد التقارير أن المسؤولين في الولايات المتحدة يخططون لزيادة إنتاج أحد العقاقير التجريبية، ولكنه من غير المرجح أن يلبي الطلب بالكامل رغم ذلك.. ولو كانت مجموعة من ألمع العقول في عالم الأعمال والرعاية الصحية توصلت إلى وسيلة لتشجيع إنتاج عقار للإيبولا قبل تفشي المرض، فإن هذا كان لينقذ الآلاف من الأرواح.
من الواضح أن النوع الذي أشجعه من القيادة لا يشكّل تهديداً للأرباح التي قد تحققها أي شركة.. بل على العكس من ذلك، يعمل هذا النوع من القيادة كنقطة انطلاق لدفع أي عمل إلى تحقيق كامل إمكاناته.. والواقع أن الرئيس التنفيذي السابق لشركة بروكتور آند جامبل، والوزير الحالي لشؤون المحاربين القدامى في الولايات المتحدة بوب ماكدونالد مولع بهذه المقولة: «إن القادة يتحملون المسؤولية عن التأكد من قدرة منظمتهم على القيام بالعمل على خير ما يرام».
إن الأعمال التجارية قد تكون الخيط المشترك الذي ينسج التغيير الإيجابي في مختلف أنحاء العالم.. ومن أجل تحقيق هذه الغاية فإننا في احتياج إلى قادة أعمال يتمتعون بالرؤية والمهارات والالتزام بتحقيق الربح والتميز.. ولا شك أن المعيار الجديد لكفاءة الأعمال، والذي يشمل ما يزيد على مجرد تحقيق الأرباح، لا بد وأن يقطع شوطاً طويلاً نحو استعادة ثقة عامة الناس.