حينما أقرأ وحي الله الطاهر (القرآن الكريم ) قراءة متأنية فإني أرى أن كتاب الله الذي بين أيدي أبناء الأمة الإسلامية يطفح بتلك الأمور الثمينة والمتينة المضامين والحكم البالغة، ليس في مجال دون مجال بل في جميع مجالات الحياة المختلفة على وجه الإجمال والتفصيل، وحينما أرى أن الأمة الإسلامية اليوم غارقة في جملة من المشاكل والمآسي ومعضلات الأمور، فإنه ليتملكني العجب كيف تكون الأمة الإسلامية على هذه الحالة وبأيدينا البلسم الشافي والعلاج الناجع لجميع جراحاتنا. إن هذا لدليل واضح يتبين عبره أن الأمة الإسلامية اليوم لم تدرك بعد أن كتاب الله بيده الحل لجميع مشاكل الحياة، والسبب في ذلك هو أن الامة الإسلامية اليوم اعتقدت أن كتاب الله هو دليل بواسطته نزدلف إلى جنان الخلد ونبتعد عن النار ليس - إلا ! إذا كان كتاب الله فيه ذلك ففيه شيء آخر وهو السلامة من عطب الدنيا ومشاكلها ومعضلاتها المختلفة.. إن سلف الأمة الإسلامية يوم كانت مدركة أن كتاب الله ماهناك شاردة ولا واردة إلا وعلمها بهذا الكتاب، كان لها يومها الكعب العالي والقدح المعلا، وبيدها قصب السبق في جميع ميادين الحياة المختلفة، والدليل على ذلك أن البعثات الغربية كانوا ينهلون من موائدنا الحضارية يوم كانت (الأندلس) مهوى أفئدة الغرب، يأتون إليها لينهلوا من علوم الإسلام.. وإن نضج السلف في تلك الحقبة من الزمان لم يأتِ إلا يوم أن نزلوا على موائد كتاب الله دراسة وتمحيصاً، مما أفضى بهم إلى هذا الفهم العميق لكتاب الله وما فيه من مكنونات العلم.
وإذا كان كتاب الله فيه ما فيه من هذا المكنون العلمي فإنه كذلك اعطى الأمة علاجاً لحل مشاكلها المادية والمعنوية، وإنه ليعتصرني الألم حينما أرى أن الاختلافات تضرب أطنابها في جسم الأمة الإسلامية وبأيدينا الفيصل فيها، قال تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ .
ومن مبادئ الإسلام السامية أن يكون لنا في هذا العالم الإسلامي المترامي الأطراف لحمة وطنية وانسجام بين الراعي والرعية.. فالاعتصام وعدم التفرق من تلك الأشياء التي شدد الله عليها قال تعالى: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ . ويردف الله مع هذه الآية قوله : وَأَطِيعُوا اللَّه وَرَسُوله وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَب رِيحكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ . وإن من تلك الأسس التي نادى بها ديننا الحنيف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالى : وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .
إذا يا أمتي هذا ميراثكم فتمسكوا به تسعدوا.