قد يغيب عن حامل بوليصة التأمين الاسلامي (تكافل) أنه يحُق له استعادة الفائض التأميني في حالة عدم حصول عجز لدى الشركة التي تدير أموال المتبرعين والذين تكافلوا من أجل تحمل ثقل المخاطر عن بعضهم البعض. وتقوم فكرة التأمين التكافلي على مبدأ التطوع من قبل المشتركين أو حملة الوثائق (العملاء) الذين يلزمون أنفسهم من خلال عقد التأمين بالتحمل الجماعي لأي خطر يمكن أن يلحق ببعضهم.
ويقتصر دور شركة التأمين التكافلي على إدارة أموال حملة الوثائق واستثمارها وهي ملزمة برد «الفائض التأميني» الذي يتبقى في محفظتهم في نهاية العام إليهم عكس الشركات التقليدية التي تستحوذ على هذه الأموال وتعتبرها جزءاً من أرباحها.
وعبر حسين العتال رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب في الشركة الأولى للتأمين التكافلي وهي إحدى شركات مجموعة بيت التمويل الكويتي عن فخره برد بعض الفوائض التأمينية للعملاء، نافياً أن يكون هذا الرد «رمزياً.»
وقال إن الشركات عادة لا توزع فائضاً تأمينياً لوجود عجز في محفظة المشتركين تموله من خلال قرض حسن لهذه المحفظة ما يعني تسجيل خسائر للمساهمين.
حرب من تحت الطاولة
رغم مرور نحو 14 عاماً على بدء عملها في الكويت لا تزال شركات التأمين التكافلي التي تعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية تكافح من أجل البقاء ومواجهة المنافسة المحتدمة في سوق مكتظة بأكثر من ثلاثين شركة تأمين محلية وعربية وأجنبية.
وتشكو الشركات التكافلية البالغ عددها 12 شركة مما تصفه «بحرب تكسير الأسعار» التي تمارس ضدها من قبل الشركات التقليدية القديمة التي بدأت نشاطها منذ أوائل الستينات وتمكنت خلال عقود الرخاء من بناء قواعد صلبة من العملاء والاحتفاظ بفوائض مالية كبيرة.
ورغم أن شركات التأمين التكافلي تحقق في دول عدة نمواً مطرداً سواء في الأرباح أو الحصص السوقية إلا أنها تعيش في الكويت ظروفاً استثنائية حيث تمنى غالبيتها بخسائر سنوية أو تحقق أرباحاً متواضعة وهو ما يضع علامات استفهام حول مستقبلها.
ويتوقع عبدالرزاق الوهيب العضو المنتدب والرئيس التنفيذي في شركة «تآزر للتأمين التكافلي» أن يتقلص عدد الشركات التكافلية خلال السنوات المقبلة. ومنذ نشأة التأمين التكافلي في الكويت لم يعلن سوى عدد محدود من الشركات عن إعادة فوائض تأمينية للعملاء وقد حدث ذلك بمبالغ متواضعة.
واعتبر سعد مكي نائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة التكافل الدولية الكويتية أن شركات التأمين التكافلي تتعرض «لحرب من تحت الطاولة» من قبل الشركات التقليدية بهدف إضعافها وإخراجها من السوق.
وقال «يجب أن أتنافس معك في (جودة) الخدمة ولا أتنافس معك في السعر.. لأنه في النهاية أنا وأنت نبيع نفس الخدمة.»
وانتقد مكي حرب الأسعار قائلاً «عندما يتم كسر الأسعار فهذا ليس في صالح العميل ولا الشركات.. هذا التنافس يضر بصالح العميل لأنه من غير المنطقي أن تبيع سلعة بأقل من تكلفتها.» ويتفق العتال مع مكي في تأثير حرب الأسعار على القطاع قائلاً: «إن عدم وجود هيئة للرقابة والإشراف (على سوق التأمين) فتح الباب واسعا أمام المنافسة السلبية.. أسعار اليوم لا تسمن ولا تغني من جوع.. الأسعار الموجودة محروقة جداً.»
لكن الدكتور علي البحر المدير العام لشركة الكويت للتأمين وهي أول شركة تأمين تقليدية تأسست في الكويت يدحض فكرة حرب الأسعار ملقياً باللوم على الشركات التكافلية ذاتها.
وقال البحر إن نموذج عمل شركات التأمين التكافلي «ليس خاطئاً لكن الخطأ في التطبيق.. والخطأ في التطبيق ناتج عن أن المصاريف التشغيلية العالية لم تتناسب مع الإيرادات».. وأضاف البحر «دائماً وأبداً أساس الربحية مبني على تقليص المصاريف وتعظيم الإيرادات والشركات التي لم تستطع تحقيق أرباح وتوزيعات للمساهمين لم تستفد من هذه القاعدة الأساسية للعمل التجاري».. لكن وقع الأزمة في عام 2008 على هذه الشركات في الكويت كان صادماً لحداثة نشأتها وضآلة رأسمالها وعدم وجود احتياطيات مالية لديها.
وقال الدكتور عبدالحميد البعلي رئيس قسم الشريعة والدراسات الإسلامية في كلية القانون الكويتية العالمية «لو انتظرنا إلى أن يوجد رأسمال قوي (يقود الشركات التكافلية) لما وجدت الفكرة أصلا على أرض الواقع .. أنت لا تختار أحسن الحلول وإنما أخف الضررين».
ضعف الإدارة
يقول الوهيب «جرت الرياح بما لا تشتهي السفن.. دراسات الجدوى الأولية كان مفروضاً أن تقدم بشكل أوضح.. وأن تكون واقعية.. ولو كانت واقعية لما حدث ما حدث.» ويضيف إن الهدف الأساسي لمؤسسي شركات التأمين التكافلي هو الاستثمار وقد مارست هذا النشاط فعلا. وألقى باللوم في ذلك على مجالس إدارات الشركات ول يس الإدارات التنفيذية التي اعتبر عملها «فنيا.»
وقال «لا تؤسس شركة لمجرد أن عندك فائضا ماليا.. وتأتي فيها بأناس غير مؤهلين يشتغلون على الاستثمار أكثر من الأمور (التأمينية) الفنية.. في حين انت نشاطك تأميني.. هذا سبب الضعف في بعض الشركات.» وأكد البعلي أن كل الكوادر العاملة في شركات التأمين التكافلي أتت من حقل التأمين التقليدي وبالتالي فهي في حاجة إلى عملية «تطوير» حتى تستطيع ممارسة التأمين التكافلي على أسسه الصحيحة.. مشيراً إلى ضرورة وجود معاهد ومراكز تدريب وأقسام جامعية متخصصة في التأمين التكافلي.
وفي ظل التنافس الشديد بين الشركات وضيق السوق تلجأ شركات التأمين التكافلي إلى قطاعي السيارات والقطاع الطبي لأنهما يوفران لها أموالا سائلة تحتاجها لكنهما في الوقت نفسه يرتبان عليها مخاطر كثيرة.
وقال مصدر تأميني رفض الكشف عن هويته إن كثيرا من الشركات التقليدية والتكافلية تتعمد تأخير دفع التعويضات لعملائها للاحتفاظ بالسيولة لديها لأطول فترة ممكنة في ظل ما تعانيه من غياب التدفقات النقدية وشح التمويل.