أظهرت إحصاءات وزارة العدل لحالات الزواج والطلاق المسجلة في المحاكم السعودية خلال العام المنصرم (1435) عن تسجيل 4 حالات طلاق مقابل كل 10 حالات زواج ..حيث بلغت حالات الزواج 102757, مقابل 30222 صك طلاق صدرته. وهذه الإحصائيات ولغتها الرقمية.. تؤكد مدى خطورة الطلاق وإرهاصاته على بنائنا الاجتماعي, والطلاق في مفهومه السوسيولوجي.. هو انفصام رابط الزواج عن طريق صيغ نظامية يضعها المجتمع مستمدة من أسس وبيئة وثقافة سائدة, ولاشك أن ظاهرة الطلاق تعتبر ظاهرة (اجتماعية نفسية) عامة موجودة في كل المجتمعات, غير أنها تختلف بطبيعة الحال من بيئة إلى بيئة ومن عصر إلى عصر حيث أقرته جميع الشرائع والأديان, ويعتبر الإسلام الطلاق أبغض الحلال عند الله لأنه قد يتسبب في تفكك أسر، وما يترتب على ذلك من مشكلات أسرية ناتجة عن الانفصال الزواجي, وقد يكون الضحية في هذا القرار المتسرع (الأبناء), فضلا عن ازدياد العداوة والبغضاء وضياع الاسرة. والطلاق ومثالبه.. يمثل أزمة اجتماعية.. بل آفة استفحلت وأخذت في الانتشار في المجتمع السعودي على وجه التحديد, وشكلت ظاهرة ازدادت بشكل ملحوظ في مجتمعنا,وتحديدا في عصرنا الحالي مما دفع المختصين والمهتمين والباحثين في العلوم الاجتماعية والنفسية لدراسة هذه الظاهرة المزعجة والتي آثارها لا تمتد فقط على الأسرة بل البناء الاجتماعي بوجه عام إذا اتسعت دائرتها المظلمة, فيصبح الأبناء هم الضحية الأولى وما ينتج عن ذلك.. تشردهم وانحرافهم, وتمزيق روح الروابط الأسرية وانهيار المعايير الاجتماعية, فضلا عن حل التدهور والفقر والوهن الاسري إذا تضخمت هذه الأزمة وتحولت إلى ظاهرة خطيرة تضرب بأطنابها أعماق الفرد والأسرة والمجتمع
وتدمر الحياة الزوجية وتحولها إلى بيت مليء بالجروح الاجتماعية والأمراض النفسية والمثالب الوجدانية. صحيح أن الإسلام قد أقر الطلاق ونظمه تنظيما دقيقا مراعيا في ذلك استقرار الأسرة وسعادتها من زاوية, وحفظ كيان المجتمع البشري بأكمله من زاوية أخرى..بيد أن الطلاق كفر لنعمة الله لأن الزواج نعمة وكفران النعمة حرام بمعنى أوضح أن الإنسان يسعى في إفساد علاقة زوجين فهو خارج القيم والأخلاق الإسلامية ولا يتسبب له باعتبار أن الأسرة هي أول وأهم وأقدم مؤسسة اجتماعية نشأت في البشرية ومنها تنطلق الصحة النفسية والحياة الاجتماعية الجديدة، وقد يتم اللجوء أحيانا إلى الطلاق في الحالة التي يصعب أو يكون فيها العيش مستحيلا, لأن الطلاق لا يلجأ الإسلام إليه إلا بعد مراحل طويلة.لعل الحال ينصلح قبل إطلاق صافرة الطلاق. يقول الرسول- صلى الله عليه وسلم- (ما أحل الله شيئا أبغض عنده من الطلاق), وقال تعالى: ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) سورة البقرة الآية (229) مع أن لغة الأرقام والإحصائيات تؤكد خطورة الطلاق واتساع مساحته داخل نسيجنا الاجتماعي.. فقد أوضحت مديرة وحدة الأبحاث في مركز الدراسات الجامعية للبنات الدكتورة نورة الشملان أن معدلات الطلاق في السعودية ارتفعت من 25% إلى 60% خلال الـ20سنة الماضية».. ولا جدال أن هذه الأرقام والنسب المرتفعة تشكل أزمة مجتمعية داخل المجتمع السعودي الفتي الذي يعيش مرحلة شبابه في واقعنا المعاصر باعتبارأن مايقارب 65% من تركيبته السكانية تمثلها الفئة الشبابية, ولعل من أسباب انتشار ظاهرة الطلاق.. تعاطي المخدرات وشرب الخمر من قبل الزوج والغيرة الشديدة والشك الزائد و عدم تحمل المسؤولية الزوجية من كلا الطرفين، وتدخل الأهل في أمور وعلاقة الزوجين مما يعقد حل المشكلة فتدخل أم الزوج أوأم الزوجة في الصغيرة والكبيرة في بعض الأحيان قد يؤدي إلى المشاحنات والمنازعات مما يؤدي إلى حدوث الطلاق، وكذلك من الأسباب العقم وعدم الإنجاب, إضافة الى إصرار المرأة على الخروج للعمل واعتقادها بأن الحياة تبدلت وأصبحت تطمح في المساهمة بالعمل أسوة بالرجل ولا شك أن بعض الرجال لا يعجبهم هذا الأمر, ومن الأسباب أيضا التوتر والقلق والشعور بعدم الاطمئنان والكآبة نتيجة ضغوط الحياة ومتطلباتها خاصة إذا كان الرجل ضعيفا ماليا مما يولد لديه صراعات وجدانية ومشاكل داخلية تنعكس على سلوكه ونفسيته وحياتهالزوجية، وبالتالي يحدث الطلاق,كما أن الغيرة الزوجية ومراقبة حركات الزوج يؤدي بالتالي إلى فقدان الثقة بينهما وأيضا عدم التكافؤ التعليمي والثقافي والفكري ربما تؤدي إلى حدوث الطلاق, ومن الآثار المترتبة على آفة الطلاق في مجتمعنا الفتي.. أن الأبناء قد يصبحون ضحية للطلاق مما يتسبب في تشردهم وانحرافهم ووقوعهم في وحل الجريمة, أما على مستوى المجتمع قد يؤدي الطلاق وانتشاره المزعج إلى تمزق النسيج الاجتماعي وتفكك أواصره وروابطه الأسرية ..وكسر زجاج المعايير الاجتماعية.. الأصيلة.. فالطلاق يحدث للأطفال صدمة مؤلمة نفسيا فيعيش الطفل (الضحية) حالة قلقة واكتئابا وبالتالي تتبلور لديه عقد نفسية ومشاكل اجتماعية لأنه عندما يتمّزق النسيج الأسري تتغير حياة الأبناء لتصل إلى الحالة السيئة, مما يؤدي إلى انحرافهم وجنوحهم ووقوعهم بالتالي في شراك الجريمة وضياع الهوية.
وعن أبرز الحلول الناجعة التي تكفل في ضبط أزمة الطلاق ومثالبها المجتمعية هي كالتالي:
1- رسم سياسة اجتماعية مشتركة بين كل من وزارة الشؤون الاجتماعية والعدل والداخلية والمحاكم تساهم في معالجة هذه الظاهرة الخطيرة قبل استفحالها خاصة في ظل ارتفاع معدلاتها بصورة ربما تؤثر على البناء الاجتماعي ووظائفه.
2- رفع سقف الوعي الأسري عبر المؤسسات الإعلامية بمختلف وسائلها ومنطلقاتها المهنية لتنوير المجتمع والنسيج الأسري تحديدا.. و توضيح مخاطر هذه الظاهرة المجتمعية وانعكاسها على المجتمع وتنميته المستدامة.
3- تكريس مفهوم الحوار الأسري وأدبياته داخل النسق المنزلي بين الزوجين. وإشاعة ثقافته الواعية وانعكاسها الايجابي على تحقيق الاستقرار العاطفي والنفسي والاجتماعي في الحياة الزوجية.. والحوار أساس الاستقرار.
4- توسيع دائرة إنشاء مركز للاستشارات الأسرية والاجتماعية والنفسية في الأحياء بدعم من الجهات المعنية..الأمر الذي يساعد في بلورة ثقافة جيدة تميط لثام هذه الأزمة الخطيرة وتحد من انتشارها في المجتمع وضبط توازنها.
5- عقد المؤتمرات وعمل البحوث والدراسات العلمية حول هذه الظاهرة وإيجاد الحلول الناجعة لما لها من آثارضارة على البناء الاجتماعي, وإقامة الندوات والمحاضرات التثقيفية حول تداعيات الطلاق وأمراضه, وأهمية المحافظة على رابط الزواج. والاستقرار الاسري.
6- تفعيل دور المؤسسات الدينية في نشر ثقافة «منهج الوسطية والاعتدال» داخل الكيان المنزلي, وتعميق دور التوعية الأسرية عبر خُطب الجمعة.. فالدراسات المتخصصة أثبتت معطياتها أن تأثيرخطبة الجمعة في إيصال المضمون والتوجيه والإرشاد أكثر من تأثير الإذاعة والتلفاز ..وهنا مربط الفرس.