طالعت في عدد الجزيرة رقم 15375 خبراً عن اعتزام جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية تنظيم مؤتمر دولي عن «دور الإعلام العربي في التصدي للإرهاب» خلال الفترة من 24 - 26 صفر المقبل بمقر الجامعة بالرياض، بتوجيه من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية الرئيس الفخري لمجلس وزراء الداخلية العرب رئيس المجلس الأعلى للجامعة، في الوقت تشهد فيه المنطقة العربية عمليات إرهابية لم تعهدها من قبل, حيث ازدادت معدلاتها واتسعت دوائرها وتعددت أهدافها, واستغل منفذوها وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري الحديثة لتنفيذ نشاطاتهم الإجرامية وتجنيد الشباب العربي وإطلاق الإشاعة والحرب النفسية لزعزعة الأمن والاستقرار في دولهم وصولاً لتنفيذ مآربهم المتطرفة وأهداف الجهات التي تقف خلفها.
ولعل أكثر ما لفت انتباهي من محاور المؤتمر إلقاء الضوء على طريقة تعامل الإعلام العربي مع الإرهاب، والتوعية بالأسس النفسية التي يستهدفها الإرهابيون لتحقيق أهدافهم، ودعم التواصل بين المؤسسات الإعلامية والأمنية للتصدي للإرهاب، وكشف طرق استخدام الإرهاب لتكنولوجيا الإعلام الحديثة في التجنيد والتمويل وتنفيذ العمليات، وترسيخ قيم التسامح والوسطية والاعتدال، والاستفادة من تجارب الدول في مجال استخدام الإعلام للتصدي للإرهاب، إضافة إلى مناقشة الإستراتيجية الإعلامية العربية المتكاملة للتصدي للإرهاب عبر استخدام وسائل الإعلام الحديث والفضاء الإلكتروني.
وبحسب الباحثين النفسيين في هذا الحقل، فإن محركي العمليات الإرهابية قد يحجمون عن تنفيذ عملياتهم في حال علموا مسبقاً أنها لن تترافق والدعاية الإعلامية الكافية للإعلام عن الخسائر التي ألحقوها بأعدائهم. أما هدفهم الأساسي من وراء ذلك، فيتمثّل في خلق أجواء التأزم والفوضى والانهيار. وهي أجواء تفسح المجال أمام انتشار الشائعات المغرضة، وخصوصاً التي تؤلب الرأي العام ضد السلطة المحلية وتثير خوف المواطنين انطلاقاً من شعورهم بعجز الأجهزة الأمنية عن حمايتهم. ومن هنا، جاءت التوصيات العالمية بضرورة محاربة الإرهاب بالسلاح النفسي ذاته الذي فرضه على المجتمعات المحلية والعالمية منذ عقود، بقصد إخضاع الرأي العام للأمر الواقع. وهذا يعني إعادة صياغة التوجهات المنطقية للعلاقة الطبيعية بين الإعلام والمجتمع، وخصوصاً في ظل الامتداد الواسع لما يسمى برسالة الإرهاب العالمي المعاصر.
كما يؤكد الباحثون في علم النفس الإرهابي، فإن للإرهاب رسالة معيّنة يسعى من خلالها إلى نشر وتعميم أفكار ومعتقدات تتعلق بقضية يراد توضيحها من أجل تبرير العمل الإرهابي. وحسب المعطيات المستمدة من الواقع، فإن محتضني المنظمات الإرهابية، هم رؤوس محركة لجماعات تمّت برمجتها وفق مخططات معيّنة، وذلك إثر استغلال نقاط ضعف أفرادها تجاه أفكار وعقائد سياسية ودينية محدّدة. واللافت أن محركي هذه الجماعات يعملون على تطويعها واستخدامها لاجتذاب التأييد والتعاطف الجماهيري من جهة، ولتأليبها ضد من تعتبرهم أعداء القضية من جهة ثانية. وكما سبق وأشرنا، فإن الهدف الأساسي الذي تسعى إليه، هو إضعاف القوى الأمنية واستقطاب الدعاية الإعلامية لاكتساب السيطرة على الرأي العام.
وإن المشاهد المأسوية التي تنقلها وسائل الإعلام بشكل متكرر ومبالغ فيه، تشكّل بحدّ ذاتها خطورة وخدمة للهدف الإرهابي. وهذا ينطبق على نقل بعض الأحاديث المتشنجة المتعلقة بالعمليات الإرهابية، والتي من شأنها إثارة الرأي العام أو إحداث الرعب في النفوس. مثلاً، القنوات التلفزيونية التي تبالغ في تصوير الممارسات الإرهابية الوحشية، أو نقل ردات الفعل المأسوية لآثار العمليات الإرهابية، قد تزيد من تأزيم الوضع من دون أن تقدّم حلولاً عقلانية أو طروحات بنّاءة. وهذا من شأنه الدفع إلى المزيد من التطرف والرغبة في الانتقام للخروج من الأزمة.
فالمعروف أن معظم وسائل الإعلام يتنافس على النقل الفوري للحدث المتعلق بالإرهاب من أجل تحقيق الكسب الإعلامي وبالتالي استقطاب أكبر عدد ممكن من القراء والمشاهدين. وهو من الناحية الإعلامية توجّه إيجابي وخصوصاً على صعيد التوعية الجماهيرية وإثارة الصحوة واتخاذ تدابير الحيطة والحذر، إضافة إلى إحداث حالة من اليقظة والتأهب في صفوف المسؤولين ودفعهم إلى ممارسة مسؤولياتهم بالسرعة المطلوبة.
إلاّ أن المبالغة في تصوير الأضرار، والنقل المقصود لوجهات نظر الإرهابيين، والتي يقصد بها إثارة الخوف والنعرات الطائفية، قد يؤدي إلى ردود فعل سلبية قد لا تُحمد عقباها. ومن هنا ارتأى خبراء عالميون في علم النفس والاجتماع تزويد وسائل الإعلام الحريصة على أمن مجتمعاتها، اقتراحات من أجل تصويب الخبر وبالتالي تفويت الفرص المتاحة لتحقيق الأهداف الإرهابية. وأهم هذه الاقتراحات: التعامل مع الخبر بموضوعية تامة مع التعرّف إلى كيفية التحكم بنشره وتوقيته، الابتعاد قدر الإمكان عن الإثارة في طريقة نشر الأخبار المتعلقة بالأحداث الإرهابية. وينصح بالتعامل معها كأحداث مأسوية عادية لمنع الإرهاب من اكتساب صفة البطولة. اتخاذ الحيطة والحذر في ما يتعلق بنشر أحاديث تتناول الأحداث الإرهابية وخصوصاً تلك التي توصل الآراء المؤيدة لوجهات نظر الإرهابيين إلى الرأي العام. وهو تدبير من شأنه منع الإرهاب من استغلال الإعلام للبروز. التركيز على البرامج التي تظهر وحشية الإرهاب ودناءته مهما كان هدفه وانتماؤه. التنسيق مع القوى الأمنية في ما يتعلق بنشر وقائع الأحداث الإرهابية مع الأخذ بالاعتبار الدراسة المسبقة لتأثير نشرها في الرأي العام.
إن إخفاء الحقائق يضعف بدون شك صدقية الإعلام، ومن هنا ضرورة التركيز على طريقة صياغة الخبر بشكل يؤمن إيصال الحقيقة، ومراعاة عدم تأثيرها سلباً في نفوس المواطنين. مع الأخذ بالاعتبار أن الإعلام رسالة نبيلة هدفها نشر الخبر مع المحافظة على اللحمة الاجتماعية وتعزيز دور المؤسسات الوطنية بغض النظر عن الميول الفردية للإعلاميين.
والأهم هو تفويت الفرصة على الإرهاب للاستئثار بالإضاءة الإعلامية التي يسعى إليها، وهنا تكمن مسؤولية وسائل الإعلام، وخصوصاً المحلية منها. ولا شك في أن انعقاد مؤتمر جامعة الأمير نايف، والملفات المهمة المطروحة فيه، ستكون مرتكزات مهمة لتصحيح اتجاه بوصلة الإعلام في الفترة المقبلة للوجهة الصحيحة للتعامل مع هذه القضية.