لكلِّ فعل رد فعل مساوٍ له في القوه معاكس له في الاتجاه. هي قاعد فيزيائية تعني أنك لا تقوم بفعل تدرك مدى قوّته وتتوقع ألاّ يكون هناك رد فعل لفعلك، فحياة كل إنسان مجموعة من الأفعال وردود لأفعال. قد أكون أولي جانباً كبيراً من اهتمامي بالأُسرة والمجتمع، لأنني أعلم أنّ الأُسرة هي نواة المجتمع والمجتمع هو جزء من كيان دولة ووطن، فما تنبته الأسرة يجني ثمره المجتمع، هذه ثقافة ومفهوم اجتماعي فطري. وبما أن الأسرة في نظري الشخصي وأيضاً في نظر الكثير من المهتمين والمهتمات بالشأن الاجتماعي، هي نواة المجتمع، فنحن نعول عليها كثيراً ونضع أملنا في الله ثم فيما تنتجه لنا هذه الأُسر السوية. ومفهوم الإنسان السوي هو مفهوم ذو معنيين، إما أن يكون سوياً عقلياً أي شخصاً بالغاً عاقلاً وينطبق ذلك على المرأة، وإما أن يكون سوياً أخلاقياً وسلوكياً فليس كل عاقل بالغ هو سوي أخلاقياً، فمعيار الأخلاق هو ذاته في كل مكان، والاختلاف فقط في موروثات الأعراف والمفاهيم الخاصة بكل مجتمع، ويبقى الصدق في جميع الأمم هو الصدق وكذلك الكذب كذب في كل مكان.
وبما أن الأسرة هي اللبنة الأولى للمجتمع، فعلينا أن نقيم التداعيات التي تتعرّض لها الأسر في مجتمعنا على المستوى المحلي أو العربي أو حتى العالمي. فما تشهده الساحة من قضايا اجتماعية تمس كيان الأسر وتنبئ بمستقبل رمادي، هي أجدر بأن نلتفت إليها التفاتة الحصيف، وهذا دور ليس بالهين فحوادث الطلاق والنزاع على الأبناء والمخاطرة بحياتهم الجسدية والنفسية والفكرية تحدياً وعناداً، تملأ الصحف والمجلات، وتتصدّر الأخبار المرئية والمقروءة والمسموعة، وهي ردود أفعال بين الأبوين يتحمل تبعاتها الأبناء. والأجدر بنا أن نطبق تجارب الدول الأخرى في الدورات الإلزامية للتأهيل قبل الزواج، فميثاق الزواج ميثاق غليظ شروطه وضعها الحق سبحانه وتعالى. وليس قاصراً على عبارات يرددها الخاطب (قبلت بها زوجة - وقبلت به زوجاً)، فالأسرة هي قلعة حصينة مُنحت الحصانة الإلهية بموجب ميثاق عاشروهن بالمعروف والإمساك بالمعروف ولا تنسوا الفضل بينكم، ولا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده، فهي علاقة قائمة على المودة والرحمة، فالمرأة لباس ستر لزوجها وهو لباس ستر لها. ليس قانون أفلاطوني ولا فلسفة سقراطية ولا هو قانون فرنسي، إنما شرع وضعه الله يحترم كينونة المرأة وقوامة الرجل، فالعيش ضمن منظومة أسره يحتم على جميع منسوبي هذه المنظومة احترام هذه القوانين الربانية.
هنا علينا أن نقف وقفة جادة في ظل ارتفاع معدلات الطلاق والخلع والعنف الأسري والعزوف عن الزواج وتفشي العنوسة والزواج من خارج البلاد، والبحث فيها ودراسة أسبابها ودوافعها ووضع خطط مدروسة وبرامج توعوية تثقيفية ترسخ لمفهوم الأسرة وثقافة الاختيار والتكافؤ الفكري والثقافي، واستمرار الدورات والورش التدريبية للأسر الحديثة ومتابعتها ومنح جوائز قيمه تشجيعية للأسر المثالية، وتوعية الأسر بأهمية المستشار الأسري وأهمية تواصل الأسرة ( الزوج - الزوجة) مع المستشارين المختصين في المشكلات الأسرية الطارئة، سواء مشكلات الزوجين أو مشكلات الأبناء . فثقافة المستشار الأسري ثقافة غائبة لا يلجأ إليها الا النخبة من الأسر، بل إن البعض ينظر لها نظرة ساخرة ويعتبرها أفكاراًَ جديدة وغريبة، مع أن ثقافة المستشار الأسري رسخ لمفهومها القرآن الكريم في قوله تعالى وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا . (35 النساء).
ومع تطور مفهوم المستشار الأسري على مستوى العالم كان للمكاتب الاستشارية والمختصين في المملكة العربية السعودية نصيب الأسد من الاستقطاب على مستوى العالم العربي، فمكاتب الاستشارات الأسرية في المملكة العربية السعودية تفوق نظيراتها في العالم، ويتم استقطابهم على مستوى العالم . هي دعوه لكل الجهات المعنية بتثقيف المجتمع لجدولة برامج استشارية أسرية ضمن فعاليتهم السنوية والشهرية، والاستفادة منهم في وضع بحوث ودراسات اجتماعية تختص بوضع مناهج تدرّس على جرعات من سنوات الدراسة الأولى لترسخ لمفهوم الأسرة والانتماء لها ومعالجة القضايا قبل استفحالها، فتراكم الخبرات السلبية لمفهوم العلاقة السلبية بين الزوجين تتوارثه الأجيال، ما لم يتم تعديله في سن مبكرة من خلال المناهج التعليمية والمؤسسات الاجتماعية ووسائل الإعلام المختلفة.