مع التقدّم المحرز في تكنولوجيا المعلومات، باتت الأدوات التنبّؤيّة قادرة على النفاذ إلى حزم البيانات الضخمة والتلاعب بها، وذلك باستمرار – ما يفسح المجال أمام ترقّب المشاكل بدقّة لم يسبق لها مثيل. وما من قطاع لم يتأثّر بذلك، ولكن أيضاً، ما من قطاع فيه قدرات أكثر إثارة من تلك الكامنة في قطاع الرعاية الصحّية.
تحفّز التحليلات التنبّؤيّة الانتقال من التركيز على حجم الإجراءات إلى التركيز على قيمة النتائج. وقد تسمح الأدوات التنبؤية مثلاً برصد علاجات دقيقة بشكل غير مسبوق للحفاظ على الصحّة.
وتُعرَف هذه المقاربة المستغَلّة إلى أقصى الحدود باسم الطبّ التنبّؤي – المتمثّل بالقدرة على دمج خصائص الأمراض المعروفة وتحليلها، بالاستناد إلى سيرة مريض محدّد وإلى وضعه الصحّي، وباستغلال ما تمّ التوصّل إليه من ملاحظات لتغيير النتائج وتوفير المعلومات بهدف دعم وجهات بحث وتطوير جديدة في علوم الحياة.
نلحظ في هذا المجال الجديد اضمحلالاً للخطوط التي كانت تفصل بوضوح بين الشركات المصنّعة للأدوية والأجهزة الطبّية، ومورّدي الخدمات الذين يشخّصون الأمراض ويعالجون المرضى، وجهات الدفع التي تقدّم دعماً ماليّاً لمجال الرعاية الصحّيّة. والملفت أنّ المشاركين في هذه البيئة يستحدثون روابط تعتمد أكثر على التكرار والتفاعل فيما بينهم من جهة، ومع المرضى من جهة أخرى، ويتعاونون مع شركاء (قد لا يكونون أحياناً في الحسبان)، ويتشاركون المخاطر.
وعلى سبيل المثال، تشير تقديرات إلى أنّ عدم الالتزام بالتطبيب في الولايات المتّحدة تسبّب بتكاليف سنويّة هائلة، وصلت قيمتها إلى 289 مليار دولار. وبالتالي، ماذا لو قررت شركة أدوية تتصدّر الجهود الهادفة بإنشاء حلّ تعاوني يستعين بالتحليلات التنبؤية، بهدف تصميم وتقديم حزمة عروض منتجات وخدمات تشجّع المرضى على مواصلة علاجهم؟ إن تم التركيز على الالتزام بالعلاج، سيأتي الأمر بالفائدة على الجميع، من مرضى، ومورّدين، ومتحمّلين للمخاطر، وشركات تعمل في مجال علوم الحياة.
بدأت شركات إنتاج الأجهزة الطبّية تستعين عملها بالتحليلات التنبؤية، وغيرها من التكنولوجيات التي تستخدم حزم البيانات الضخمة في بعض مجالات. إلى ذلك، تستثمر شركات أدوية رائدة في التحليلات المتقدّمة وتطلق عمليّاتها في هذا المجال. ولا بدّ للمسؤولين في شركات علوم الحياة أن يبدأوا بالتفكير في كيفيّة – ومدى – تطويرهم للقدرات في مجال التحليلات التنبؤية وأن يبحثوا في طريقة لدمجها مع خدماتهم.
في حين أن الفائدة المباشرة والأوضح للعيان هي انخفاض التكاليف، يتمثّل التحفيز الفعلي بإنشاء نموذج أعمال يرتكز على المريض – ويقرّ بضرورة إدارة الصحّة ورعايتها في أيّ مكان يتواجد فيه المريض، وليس فقط ضمن نطاق المستشفيات وعيادات الأطباء. وينطوي الهدف على ثلاثة جوانب، هي تحسين النتائج السريريّة، وتعزيز مستويات الرضا لدى المرضى، وتوجيه المزيد من القيمة نحو نظام الرعاية الصحية برمّته.