من المعروف أن للشعر عامة سواءً الفصيح أو العامي أنماطاً مختلفة منها الخاص مثل الفخر والمدح والهجاء، ومنها العام مثل الوصف بأشكاله المختلفة بالإضافة للشعر الاجتماعي والسياسي، وكذلك الغزل الذي يُعتبر ركناً من أركان هذا الفن ويسيطر على مساحة واسعة ويجد رواجاً من قبل المتلقي، ويمثل الإنتاج الأغزر في جميع مراحل الشعر بشقيه لما فيه من فضاء واسع للتحرك والإبداع وملامسة المشاعر، وهو عكس المدح الذي يُعد من أقل أنماط الشعر قبولاً لما فيه من تملق مصطنع في الكثير من نصوصه.
ويبدو أن الشعر الشعبي قد انفرد بتفريعات خاصة ابتكرها البعض من الشعراء الأوائل مثل فن المحاورة أو (القلطة) كما يطلق عليها البعض والتي تطورت بشكل مذهل حتى أصبحت وسيلة جذب جماهيري واسع وحظيت بمتابعة واهتمام منقطع النظير، خصوصاً في مراحلها المتأخرة بحيث نجد أن بعض الشعراء البارزين في هذا الفن قد نالوا شهرة واسعة حتى وإن لم يكن لهم حضور أو تواجد من خلال القصيدة.
ومن التفريعات الأخرى هناك قصيدة (الألفية) وهي التي تضم حروف الهجاء كاملة ومتسلسلة من الألف إلى الياء بحيث يبدأ كل بيت بحرف وتنتهي القصيدة بانتهاء الحروف.
كما أن هناك قصيدة (العروس) والتي تحمل عنوان هذا الموضوع وهي قصيدة تقليدية بحتة من حيث الصياغة والبناء والتسلسل والهدف، وهي تندرج تحت بند الغزل، وقد مارس هذا النوع عدد قليل من شعراء العامية، وذلك من باب (التقليد) و(التفنن) وهي ذات طابع تخيلي بحيث يرى الشاعر في منامه طيفاً جميلاً قد زاره ويتمثّل هذا الطيف بفاتنة ذات قدر من الجمال وبعد إيقاظه تستعين به بالبحث لها عن عريس يتناسب مع جمالها ومقامها بحيث يبدأ الشاعر قصيدته بمقدمة عن ماهية الحدث وما صاحبه في تلك اللحظات، ثم ينتقل إلى وصف تلك الفتاة متغنياً بجمالها وفتنتها ليفتح بعد ذلك معها حواراً حول سبب الزيارة، وبعد معرفته للسبب يحاول بعضهم التملص متحججاً ببعض الأعذار التي لا تقنع الفتاة ليرضخ بعد ذلك، ويبدأ باستعراض الشخصيات التي يراها مناسبة حيث يستمر الشد والجذب بين الطرفين.. هو يعرض وهي ترفض إلى أن يستقر رأيها على إحدى تلك الشخصيات والذي بطبيعة الحال يكون الأخير حسب السيناريو المتوارث، ولعل الفارق بين عرائس الشعراء السابقين واللاحقين هو نوع الشخصيات المطروحة، فالشعراء الأوائل كانوا يختارون العريس من الحكام وشيوخ القبائل المشهورين، أما الشعراء المتأخرون فيحصرون خياراتهم بأصدقائهم ومعارفهم.
ولعل من أوائل الشعراء الذين طرقوا هذا الجانب هو الشاعر عبد الله الحبيشي الذي قال عروساً في زمن الإمام عبد الله بن فيصل بن تركي، وذلك في حدود عام 1280هـ تقريباً والتي مطلعها:
قال الذي قد هيضه عقب ما شاب
يا رد بحور الغي من عقب ما تاب
بقعا تشورف له على راس مرقاب
لا حايشٍ دنيا ولى في يده مال
وبعد التمهيد للقصيدة بدأ في وصف عروسه التي زارته في منامه قائلاً:
جتني تخطى مثل بدر التمامي
وقامت تحدثني وأنا في منامي
تنوش راسي بالقدم والبهامي
جتني وأنا في مرقدي سايح البال
شديت ردن الزين طمعٍ وخايف
ودموع عيني فوق خدي ذرايف
قلت الخبر يابو ثمانٍ رهايف
قالت عروس جيت أبي بدع الأمثال
حيث بدأ في استعراض بعض الشخصيات التي يرى أنها ربما تروق لتلك الفاتنة، حيث استعرض من يراه من شيوخ البادية أمثال ابن مجلاد وابن سويط وابن حميد والدويش وابن قرملة وأمير حائل طلال العبد الله الرشيد وغيرهم من الشخصيات البارزة ولكنها لم تقنع سوى بالإمام عبد الله الفيصل حيث قال:
هيا نروح لديرة الحكم يا زين
يم بن مقرن حيثه اللي تمنين
امشي معي في حاجتك لا تونين
الصيرمي فكاك صعبات الاشكال
نروح للفيصل شبوب الحرايب
الشيخ عبد الله عطيب الضرايب
شيخ الشيوخ اللي يهد الصعايب
لعل قلبك عن شقى الهم ينجال
ضحكت وقالت لي عرفت الفوادئ
عرضت لي شيخ يروي الهنادي
هذا هوا قلبي وغايت مرادي
الحمد لله تو ماطاب لي فال
في الحلقة القادمة نستكمل الحديث حول الموضوع.