خدمة القرآن الكريم وعلومه من أجل الأعمال وأشرفها, فهي من أنبل المبادرات التي يمكن أن يقوم بها الأفراد والمؤسسات, ولا سيما في هذا الزمن الذي كثر فيه الهرج والمرج, واختلفت الأقوال وتخالفت, فلا مناص إلا بإحقاق الحق, وإنارة الدروب السليمة, فقدوة الأمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- قدم الدعم لجل المؤسسات والقطاعات, فلم يتبق إلا العمل بجد وتنفيذ ما يتطلع إليه باني نهضة المملكة.
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بقيادة معالي مديرها الأستاذ الدكتور سليمان بن عبدالله أبا الخيل استشعرت هذا الجانب فعملت بجد لخدمة هذا الوطن عبر الكثير من المبادرات على المستويات العلمية والإدارية والوطنية, ومن أبرزها منح خادم الحرمين الشريفين شهادة الدكتوراه الفخرية في العلاقات الدولية وتحقيق مبادئ الأمن والسلام, واستمرت هذه المبادرات ومنها هذا الكتاب الذي نعرض له الآن وهو بعنوان: بهجة القراء في حفظ القرآن الكريم على منهج السلف, الذي صدر في أجزاء عدة, عن كرسي الملك عبدالله بن عبدالعزيز للقرآن الكريم, وبإشراف وعناية خاصة من قبل د.سليمان أبا الخيل, فهذا العمل الكبير والجليل يقدم تفسيراً متقناً للقرآن الكريم على ضوء منهج سلف هذه الأمة, ويبين المشرف العام على هذا الكتاب الأستاذ الدكتور سليمان أبا الخيل في المقدمة أهمية هذا الإصدار بقوله: ((الحمد لله الذي تكفَّل بحفظ كتابه العزيز، وجعل أسنى مقاصده تدبر آياته وتذكر معانيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن نبينا محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم- خاتم النبيين، وإمام المرسلين، خير من تلقّى كتاب الله تعالى وأدّاه، وبيّن معانيه وتحلّى بأخلاقه واهتدى بهداه، أما بعد:
فإن القرآن العظيم كلام الله عز وجل منه بدأ، وإليه يعود، وهو الصراط المستقيم، والنور المبين، والحبل المتين، وهو المنهاج الكامل للحياة الطيبة، ولهذا حظي بالعناية الفائقة على مرّ العصور وتعاقب الدهور.
وتُعدّ المملكة العربية السعودية الدولة الرائدة في العصر الحديث لخدمة كتاب الله تعالى وتفسيره، وهذا في الحقيقة ليس بغريب عليها؛ إذ هو عماد الأُسس التي قامت عليها الدولة منذ تأسيسها على يد جلالة الملك عبدالعزيز رحمه الله وهو دستورها الدائم، ونبراسها القائم في شؤون حياتها.
وإن ما يقوم به خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني وولي ولي العهد من أعمال جليلة لخدمة كتاب الله تعالى وعلومه إنما هو امتداد للنهج القويم الذي سلكته المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها.
ولهذا جاء إنشاء كرسي الملك عبدالله بن عبدالعزيز للقرآن الكريم عملاً رائدًا مشكورًا من خادم الحرمين الشريفين له دلالاته العميقة ومقاصده الشريفة في عناية ولاة الأمر في هذه البلاد المباركة بالقرآن الكريم وأهله، مما جعلها قدوة يُحْتذَى بها في مجالات الخير، ومن أعظمها خدمة القرآن الكريم.
ولقد أخذ هذا الكرسي على عاتقه الريادة في خدمة القرآن الكريم وعلومه لجميع شرائح المجتمع وبخاصة الأجيال الناشئة لتكون على هدي القرآن الكريم الذي سار عليه سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان في حفظ القرآن الكريم وفهمه عقيدةً وسلوكًا.
ولهذا فإن موسوعة «بهجة القراء في حفظ القرآن الكريم وتدبره على منهج السلف» التي نحن بصددها تُعَدُّ أحد أهم المنجزات المميزة لكرسي الملك عبدالله بن عبدالعزيز للقرآن الكريم، إذ عُني بها أتم عناية من خلال العمل المؤسسي الرصين.
وتحريًا لإتقان العمل وجودته تم الأخذ بالخطوات التالية:
عرض مشروع «بهجة القراء في حفظ القرآن الكريم وتدبره على منهج السلف» -الذي تقدم به أستاذ الكرسي فضيلة الأستاذ الدكتور إبراهيم بن سعيد الدوسري- على الهيئة العلمية الاستشارية للكرسي، وتحكيم فكرته، وقد حصل على الامتياز بإجماع الفاحصين.
عقد حلقة نقاش - في الثالث عشر من شهر رمضان عام (1434هـ)- مع المختصين في التفسير وعلوم القرآن والتخصصات الأخرى ذات العلاقة في العقيدة والحديث والفقه، وذلك لاستطلاع آرائهم والاستفادة من خبراتهم لإثراء الموسوعة وتحديد معالم منهجها.
اختيار كادر الباحثين من أعضاء هيئة التدريس المتخصصين في التفسير وعلوم القرآن في عدد من الجامعات -داخل المملكة وخارجها- على الرتب التالية: (أستاذ - أستاذ مشارك - أستاذ مساعد)، وقد نيّف عددهم على عشرين باحثًا.
تنظيم دورة علمية -في الحادي عشر من شهر ذي القَعدة عام (1434هـ)- للباحثين المرشحين للتأليف.
عرض ما يتم تأليفه على مستشارَين أحدهما في تخصص العقيدة، والآخر في تخصص الفقه؛ لما لهذين التخصصين من علاقة وطيدة بموضوعات الموسوعة، ولا سيما فيما يتعلق بالفوائد والأحكام.
تحكيم ما تم إنجازه لدى عدد من المتخصصين في التفسير وعلوم القرآن الكريم والعقيدة والسنة.
مراجعة اللجنة العلمية للموسوعة وتدقيقها.
البدء بإخراج التفسير للأجزاء الثلاثة الأخيرة من القرآن الكريم؛ لأنها في الغالب هي أول ما يشرع فيها من يريد حفظ القرآن الكريم، وهو ما تضمنه هذا المجلد الذي نحن بصدده (من سورة المجادلة إلى سورة الناس).
وفي ختام هذه الكلمة أشكر أستاذ الكرسي والهيئة العلمية الاستشارية وأصحاب الفضيلة الباحثين والمستشارين والمحكّمين واللجان العلمية والإدارية والعاملين في موسوعة «بهجة القراء في حفظ القرآن الكريم وتدبره على منهج السلف»، فجزاهم الله خيرًا.
هذا، وأسال الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا الكرسي ونتاجه في موازين حسنات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، وأن يعلي مكانته في الدنيا والآخرة، لعنايته بكتاب الله الكريم، وأن يزيده عزًّا وتأييدًا.
وصلى الله على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا)).
وقد ورد في تمهيد هذا الكتاب بيان السلف ومنهجهم في حفظ القرآن الكريم وتدبره, ليتضح لقارئ هذا الكتاب المنهج والطريقة المتبعة في تأليفه, وقد ورد فيها ما نصه: (السلف: هم الصحابة والتابعون وتابعوهم، فهم أهل القرون الثلاثة الأولى، ومن تبعهم بإحسان من أئمة المسلمين.
ويؤكد هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»، أولئك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أبر هذه الأمة قلوبًا، وأصدقهم بيانًا، وأحسنهم فهمًا، وأسلمهم مقصدًا في أخلاقهم وسلوكهم، وأقوالهم وأفعالهم، ولا عجب في ذلك، فقد أثنى الله عليهم، وأمر بإتباعهم بإحسان. قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (100) سورة التوبة.
ولقد سلك السلف منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في حفظ القرآن الكريم وتدبره والعمل به على أحسن وجه، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا على تلقي القرآن الكريم، كما قال تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة:16-19]. وذلك تعليم من الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم في كيفية تلقيه الوحي من جبريل عليه السلام؛ فإنه كان يبادر إلى أخذه، ويسابقه في قراءته، فأمره الله تعالى إذا جاءه الـمَلَك بالوحي أن يستمع له، وتكفَّل له أن يجمعه في صدره، وأن يُيَسِّره لأدائه على الوجه الذي أنزله إليه، وأن يُبَيِّن له معانيه، وكان عليه الصلاة والسلام يتمثل معانيه في شأنه كله، كما قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (4) سورة القلم. ولهذا أجابت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لمن سألها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولها: «كان خلقه القرآن».
وكان الصحابة رضي الله عنهم ومن جاء بعدهم من التابعين ومن سلك سبيلهم، يتلون القرآن ويحفظونه، ويطبقونه في حياتهم، فيعملون بما يتعلَّمون، قال أبو عبدالرحمن السلمي: «إنا أخذنا القرآن عن قوم أخبرونا أنهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يُجَاوِزُوهُنَّ إلى العَشْر الأُخَر، حتى يعلموا ما فيهن، فكنا نتعلم القرآن والعمل به. وإنه سيرث القرآن بعدنا قوم يشربونه شُرْبَ الماء لا يُجاوز تراقيهم، بل لا يُجاوز ههنا -ووضع يده على حلقه-»، وعنه أيضًا قال: «إذا كنا نتعلمُ العَشْرَ من القرآن لم نتعلم العَشْرَ التي بعدها حتى نتعلمَ حلالَها وحرامَها، وأمرَها ونهيَها».
وكان أبو سعيد الخدري رضي الله عنه يُعلِّم القرآن خمس آيات بالغداة وخمسًا بالعشي، ويخبر أن جبريل عليه السلام نزل بالقرآن خمس آيات خمس آيات، وجاء عن أبي العالية قوله: «تعلموا القرآن خمس آيات، خمس آيات؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذه من جبريل خمسًا خمسًا».
ولقد سار السلف الصالح رضي الله عنهم على هذا المنهج ملتزمين بالتدرج في تعليم القرآن، مراعاة لحالة الدارسين، وحرصًا على الإتقان والفهم والتدبر والعمل بالقرآن الكريم.
يقول أبو عمرو الداني موضحًا هذا المنهج المعتدل في حفظ القرآن: «فأما تلقين الأستاذ لمن يلقنه، فليكن تلقينه على مقدار ما يظهر له من لُبِّه ويقظته، وتمكُّن ذلك في صدره، ورسوخه في قلبه، فإن الناس متفاوتون في ذلك، فإن رأى أنه يقوم بخمس لقنه إياه، وإن علم أنه لا يقوم إلا بدون ذلك فليلقنه ما يحتمل من آية أو آيتين أو ثلاثة، على مقدار طول الآي وقصرهن.
وإن رأى أنه يحتمل أزيد من خمس زاده في التلقين إلى أن يبلغ به العشر، ثم لا يزيده على ذلك وإن احتمله وقام به؛ لأن ذلك غاية في التلقين، ولم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لقن أحدًا من أصحابه فوق عشر آيات، وقد روينا عن غير واحد من الصحابة والتابعين وخالفيهم من أئمة المسلمين، أنهم كانوا يُلَقِّنُوا الآية والآيتين والثلاث والخمس.
والذي أستحسنه أنا في التلقين أن لا يزاد فيه على خمس شيئًا، لأنه أثبت في الصدر وأخف على الملقِّن، مع ورود الآثار على ذلك».
وتحقيقا لمبدأ التدرج في التعليم استحسن العلماء أن يُبدأ بتعليم القرآن من (المـُفصَّل)، كما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «أنه كان يأمر بنيه بتعلم القرآن، وإن كان أحد منكم متعلمًا فليتعلم من المفصل فإنه أيسر»، قال علم الدين السخاوي رحمه الله: «يبدأ من آخر القرآن من المعوذتين، ثم يرتفع إلى البقرة، وإنما جاءت الرخصة في تعلم الصبي والعجمي من المفصل لصعوبة السور الطوال عليهما، فهذا عذر».
والاستعداد الشخصي للفرد وما يتضمنه من إخلاص النية لله تعالى، وعلو الهمة، والتلقي عن شيخٍ مُتقنٍ للقراءة أول ما يجدر بطالب حفظ القرآن الكريم أن يفعله؛ إذ لابد -قبل البدء بالقراءة والحفظ- من السماع لشيخٍ متقنٍ يُصَحِّح له؛ لأن القرآن الكريم لا يؤخذ إلا بالرواية والتلقي والمشافهة، فقد أخذه النبي صلى الله عليه وسلم سماعًا من جبريل عليه السلام وهو أمين الوحي، وجبريل تلقاه سماعًا من الله تبارك وتعالى.
ومما ثبت في فضل تلاوة القرآن الكريم وحفظه وتعليمه، ما جاء عن عثمان بن عفان رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه». وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصُّفّة، فقال: «أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان أو إلى العَقِيق، فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قَطْعِ رَحِم»؟ فقلنا: يارسول الله، نحب ذلك. قال: «أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فَيَعْلَم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل».
والحديث يبين أن التعلم والحفظ للقرآن الكريم يرتبط بالقدرة والسعة؛ فلا حرج على المسلم أن يتعلم ويحفظ آية، أو آيتين، أو ثلاثًا، أو أكثر، على قدر السعة والطاقة، فلا يُكلِّف الله نفسًا إلاّ وسعها.
ولهذا سار العمل في موسوعة البهجة على تقسيم الآيات بمقدار مناسب - حسبما تقرر في منهج تأليفها - تأسيا بمنهج السلف في حفظ القرآن الكريم وتدبره، إذ التدبر كالحفظ لا يتحقق إلا بالتأني والتأمل، كما قال تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} (4) سورة المزمل. «أي اقرأه على تمهل، فإنه يكون عونًا على فهم القرآن وتدبره».
وترجع أهمية تدبر القرآن الكريم إلى كونه أول منازل العمل بالقرآن العظيم، وأعظم مقاصده، قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (29) سورة ص، والتذكر: الحضور القلبي، وهو الاتعاظ، فالتذكر أحد آثار التدبر، وهو استدامته بالانتفاع به.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده، وأقرب إلى نجاته من تدبر القرآن، وإطالة التأمل فيه، وجمع الفكر على معاني آياته، فإنها تُطْلِعُ العبد على معالم الخير والشر بحذافيرهما، وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغاياتهما وثمراتهما، ومآل أهلهما، وتَتُلُّ في يده مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة، وتثبت قواعد الإيمان في قلبه، وتشيد بنيانه وتوطِّد أركانه، وتريه صورة الدنيا والآخرة والجنة والنار في قلبه، وتحضره بين الأمم، وتريه أيام الله فيهم، وتبصِّره مواقع العبر، وتشهده عدل الله وفضله، وتعرفه ذاته، وأسماءه وصفاته وأفعاله، وما يحبه وما يبغضه، وصراطه الموصل إليه، وما لسالكيه بعد الوصول والقدوم عليه، وقواطع الطريق وآفاتها، وتعرفه النفس وصفاتها، ومفسدات الأعمال ومصححاتها وتعرفه طريق أهل الجنة وأهل النار وأعمالهم، وأحوالهم وسيماهم، ومراتب أهل السعادة وأهل الشقاوة، وأقسام الخلق واجتماعهم فيما يجتمعون فيه، وافتراقهم فيما يفترقون فيه.
وبالجملة تعرفه الرب المدعو إليه، وطريق الوصول إليه، وما له من الكرامة إذا قدم عليه.
وتعرفه في مقابل ذلك ثلاثة أخرى: ما يدعو إليه الشيطان، والطريق الموصلة إليه، وما للمستجيب لدعوته من الإهانة والعذاب بعد الوصول إليه»).
وتعتمد فكرة الموسوعة «بهجة القراء في حفظ القرآن الكريم وتدبره على منهج السلف» انبثقت من الحاجة الماسة لحافظ القرآن الكريم إلى الجمع بين حفظ الألفاظ وفهم المعاني في آنٍ واحد، وذلك وفق منهج السلف الصالح الذي يجمع بين حفظ الآيات ومعرفة معانيها وأحكامها والعمل بها، وأنها تعتمد كذلك على التيسير لمن يريد حفظ القرآن المجيد على نحو يشمل: حفظ حروفه، ومعرفة معانيه وتدبرها، والدلالة إلى هداياته وأحكامه.
وأهمية هذه الموسوعة تعود إلى عدة عوامل، منها:
تلبية حاجة الناس وسؤالهم عن كيفية الحفظ الأمثل للقرآن الكريم ومعرفة معانيه.
حل مشكلة صعوبة توفّر الكتب التي تُقرّب -لمن يريد حفظ القرآن الكريم- معرفة معاني ما يحفظه ويبرز له هدايته على نحو ميسر أثناء عملية الحفظ.
الإسهام في مساعدة القارئين على تحقيق آمالهم في حفظ القرآن وتدبره ومعرفة معانيه والوقوف على هداياته وأحكامه على وجه مُيسّر.
الإسهام في التيسير على من أراد حفظ القرآن وفهم معانيه وتدبره على منهج السلف.
تمكين من يريد حفظ القرآن الكريم من معرفة بعض علوم القرآن والتفسير لتعزيز حفظه، فهذه الموسوعة تقرب تلك العلوم وتيسر الاطلاع عليها.
عناية الموسوعة بالقيم والأخلاق والتربية ووجوه الإعجاز القرآني وأسرار بيانه ومسائل العقيدة وأحكام الفقه على وجه الإيجاز وبأسلوب سهل يحفز النفوس على التمسك بالقرآن الكريم ولزوم هديه ونشر هدايته بين العالمين.
تحقيق عموم الاستفادة منه لشرائح متعددة من فئات المجتمع؛ حيث يمكن الإفادة منها في مناهج التعليم العام وفي مدارس تحفيظ القرآن وفي حلقات التحفيظ ودور القرآن، وفي غيرها.
وأما منهج الموسوعة فجاء كما يلي:
تقسيم مقاطع كل سورة فيما عدا بعض قصار السور إلى وحدات موضوعية حسب المعاني -قدر الإمكان- بحيث تُقسم كل صفحة من صفحات المصحف إلى ثلاثة أقسام أو أربعة، ومن ثَمَّ تُدرس كل مجموعة من الآيات في بطاقة واحدة.
تتكون بطاقة كل مقطع من صفحة واحدة تشتمل على: المناسبة بين الآيات لربط الحفظ بعضه ببعض، وبيان معاني المفردات، والمعنى الإجمالي، والفوائد والأحكام، إضافة إلى مساحة حرة لتدبر القارئ وتأملاته، عدا (آية الدين) -أطول آية في كتاب الله- فإنها ستشتمل على صفحتين.
تتناول المناسبة علاقة الآيات بما قبلها.
تخصيص عدة حقول لبيان معاني المفردات، وستكون الأولوية لما تشتد الحاجة له، حسبما تسمح به المساحة المخصصة.
الاقتصار في الأحاديث النبوية على المقبول منها، وفي بيان معاني المفردات على الكلمة ومعناها، وفي الأقوال على الراجح أو المشهور عند أكثر المفسرين دونما عداه.
عدم مخالفة تفسير السلف بما يُضادّه أو يُناقضه.
تضمين المعنى الإجمالي ما يُحتاج إليه من أسباب النزول والناسخ والمنسوخ في حدود المساحة المتاحة على وجه الاختصار.
تضمين الفوائد والأحكام ثلاثة أنواع، هي: الإضاءات والهدايات القرآنية، مسألة في العقيدة، حكم أو استنباط فقهي.
التركيز في الإضاءات على الجوانب العلمية المتصلة بالحفظ والأداء، وبخاصة المتشابه اللفظي، كما يمكن تضمينها جوانب من وجوه الإعجاز القرآني وأسراره البيانية.
تضمين الهدايات أدبًا رفيعًا، أو قيمة أخلاقية أو تربوية، أو ما في معناهما من الجوانب السلوكية.
عرض المادة العلمية بأسلوب سهل ورصين، وتجنب كل ما يُفضي إلى التكلّف.
الاعتماد على المصادر المعتبرة في مادة الموسوعة، والتركيز على مصادر السلف والأئمة المشهود لهم بسلامة المعتقد دون من عُرف ببدعة أو مذهب منحرف.
ويتجلى عبر هذه الموسوعة القيمة الجهود الجليلة والكبيرة التي يبذلها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في سبيل خدمة القرآن الكريم, والأمة الإسلامية جمعاء, وهذا الكتاب لم يرَ النور لولا الجهود الكبيرة التي بذلها مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية معالي الأستاذ الدكتور سليمان بن عبدالله أبا الخيل الذي أشرف على هذه المادة القيمة وتابعها حتى ظهرت بهذه الصورة لتخدم المسلمين في هذه البلاد وخارجها, فجزاه الله خيراً على ما بذله في ذلك.