«أخاف أن أموت فيكتب الناس على ضريحي «هنا ترقد الغاوية»، غاوية تحيك حبال غيها للرجال كالأرملة السوداء. ولعل هذه العبارات التي تقولها صابرين بطلة رواية «هنا ترقد الغاوية» للشاعر والروائي اللبناني محمد إقبال حرب، لا تخرج بعيداً عن نواميس المجتمع العربي وقيوده. ولعل الروائي أراد أن يأخذنا إلى قلب الحكاية، انطلاقاً من واقع المرأة العربية الاجتماعي والنفسي، مدفوعاً برغبة في تجاوز هذا الواقع بكل ما فيه من مآسٍ وآلام فاختار تقنيات علم النفس الحديث والأدب وتقنياته وأدواته وفنونه؛ نسيجاً يحيك منها روايته التي لا تقدم نصاً سردياً تقليدياً، إنما متواليات منفصلة/متصلة على شكل وقائع وأحداث متلاحقة، جاءت عبر نصوص سردية لكل منها عنوان خاص بها. و»هنا ترقد الغاوية» نص يطرح مقاربة إنسانية لمسألة انتهاك حرية وكرامة المرأة الذي يمكن أن يحصل في أي زمان وأي مكان في هذا العالم الواسع وتحت أية ظروف ومنها؛ حالات الحب المختلفة، الثقة بين المرأة والرجل، الحروب والفقر والاستغلال الجنسي، غفلة المرأة وعدم توقع الموقف؛ كما حصل مع بطلة الرواية «صابرين» الفتاة التي نشأت في أسرة عربية تقليدية وكانت تحلم مثلها مثل كل الفتيات بالحب والزواج والحياة الآمنة والمستقرة، ولكن حدث ما لم يكن بالحسبان في عقر دارها: «نعم ذاك الذي كان ربيب عمي، الذي آواه من مذلة دار الأيتام علَّه يستشعر طعم العائلة. ذاك الذي جاءني يطلب عوناً. تركته يومها خارج الدار من باب التقوى ولم أقفل الباب من باب الأدب. اقتحم خصوصيتي، مزق حجابي، ولم يمنعه تقواي من تمزيق ثيابي وهدر حرمتي...»، وأما عن موقف الأهل والمجتمع فكان: «لو لم تعطه إشارة لما فعل»، لو لم تفتح له الباب لما تجرأ».
تعالج الرواية هذا الموضوع بخطاب روائي ينطلق من رؤية واقعية لوضع المرأة في المجتمع العربي، وهو خطاب يُعري الظلم اللاحق بالمرأة من قبل العقلية الذكورية وممارساتها ما يجعل منها ضحيّة مضاعفة، دون الاكتراث لمشاعر المرأة والحالة النفسية المترتبة على هكذا نوع من الانتهاك الأخلاقي الفاضح؛ فيصبح حكم المجتمع والعادات والتقاليد أهم بكثير من المرأة؛ وهنا -في سياق الحكاية- تقدم الرواية صورة أكثر تقدماً وجمالاً لوضع المرأة في الحضارات السابقة لزمن الرواية بقرون، «الفينيقون قدَّسوا الخصب والجمال بشخص عشتروت، واليونانيون قدَّسوا الجمال بشخص أفروديت، قدَّسوا المعرفة والفن والحكمة كما الوعي في شخص سارسواتي الهندية. وفي مصر أيزيس كما لاكشمي في الهند وأثينا في اليونان.. وهناك الكثير الكثير من التقدير...»، هذا في التاريخ القديم أما عن موقف الأديان «عندما جاءت الديانات السماوية زادت من تقدير المرأة فساواها بالرجل ثواباً وعقاباً ورفع لها قدراً أسقطته الجاهلية عندما استُعبدت وَوُئدت ...» ولعل هذه الإشارات وسواها من الدلالات والإيحاءات، هي ما يجعل من الرواية وثيقة نقدية تعكس هموم الرواية العربية وهواجسها فيما خص مشكلات هي من نوع (المسكوت عنه) في المجتمع العربي، الذي يغيب عنها حكم القانون في معظم الحالات بسبب الخوف من الفضيحة والعار الذي سوف يلحق بالعائلة، وبهذا المعنى فالرواية تطرح مشكلة عامة وخاصة في نفس الوقت ما عدا اهتمام الروائي بالجانب السايكولوجي في العمل ويتمظهر ذلك من خلال رحلة العلاج التي تخضع لها البطلة حيث تقدم الرواية كماً كبيراً من ثقافة التحليل النفسي، التي لا بد وأنها تعكس ثقافة من يكتب، ورسالته الاجتماعية والثقافية إلى القارئ، وهو ما أشار إليه الروائي في كلمة الشكر التي اختتم بها العمل: «لم يكن لهذا الكتاب أن يتم كما يجب... إلا بمراجعة الجانب النفسي ومتابعة الأحداث ذات الطابع الطبي من قبل الدكتور منصور منصور الإخصائي النفسي المصري. كما أسهمت إرشادات د. جان فوجلكويست من الولايات المتحدة الأمريكية ود. عبد الصمد الجشي من المملكة العربية السعودية في إضفاء النور على عتمات العذاب التي تعاني منها المعذبات دون توقف.كما أجادت السيدة نهلة هنُّو بمراجعتها لتقنية الرواية. كذلك أضفت المراجع المستخدمة في الرواية فهماً عميقاً لجراح الأنثى التي لا يدرك عمقها الرجل. وأضاف، أعترف بأنني توصلتإلى مرحلة البكاء مع كل قصة أو شرح في الكتب... تلك التي اتخذتها مرجعاً لمشاعري وحكماً على حروفي إضافة لشهادات حية سمعتها من أصحابها».
وبعد، بهذه التقنيات وبخطاب روائي يعكس هموم المرأة في المجتمع.