بعد أيام قليلة تحل ذكرى استقلال الجزائر وهي ذكرى جليلة بكل ما لهذه الكلمة من معنى.
واستقلال الجزائر يختلف عن استقلال غيرها من الدول عادة يتم الأمر بنضال أبناء الدولة المستعمرة يطول أو يقصر وبعد ذلك تم التوصل إلى تسوية واتفاق معلنين بين الطرفين وما يلبث المستعمر أن يأخذ جنود احتلاله وموظفيه ويرحلهم عن البلاد وخلال فترة وجيزة تنتهي ذيول ذلك الاستعمار وتعقد اتفاقات عسكرية واقتصادية وثقافية وتولد الدولة المستقلة وهذا ليس تبسيطاً لكفاح الشعوب لنيل استقلالها ولكن هكذا كانت تسير الأمور.
الوضع مع الجزائر كان مختلفاً لذلك كان استقلالها استثنائياً، فرنسا لم تكن دولة مستعمرة فحسب للجزائر ولكنها حاولت إلغاء الجزائر التاريخ والتراث واللغة والثقافة والذاكرة والهوية الوطنية وهي كلها عناصر متصلة بعضها ونتاج بعضها البعض وفي المحصلة إلغاء الجزائر الكيان، وإلحاقها بفرنسا نهائياً ولقد اعتقدت فرنسا أن ذلك ممكن وعملت من أجله بقوة وإصرار كهدف قابل للتحقق وجعلته في أساسيات سياستها لأكثر من قرن من الزمن، ولنا أن نتخيل حجم المعاناة والأهوال والألم جراء هذه السياسة الفرنسية الغاشمة ضدهم ونحن نعرف أن الشعب الجزائري العظيم كافح كفاحاً بطولياً خارقاً دفاعاً عن هويته ودينه وتراثه ولغته أي عن كل مكوناته تفصيلاً ويوماً تلو آخر لأكثر من قرن حتى جاء الاستقلال يتوج هذا الصراع المر والتضحيات الأسطورية من أجل الحرية التي استحقوها عن جدارة، لذلك قلت إن استقلال الجزائر يختلف عن استقلال الآخرين.
ولأن تبعات الاستعمار الفرنسي لم تنته برحيله بل استمرت فترات طويلة بعد ذلك وقد خاضت الجزائر معركة إحياء اللغة والثقافة والتراث وتكريس الهوية الوطنية وقد نجحت فيها كنجاحها في معركة الاستقلال رغم العثرات التي واجهتها أحياناً.
والآن بعد أكثر من نصف قرن من الاستقلال لا تزال الجزائر واقفة بصلابة واتزان وسط دوامة العنف والدم والتفتيت التي تلف كثيراً من الدول في المحيط الذي تنتمي إليه الجزائر، ويعول كثير من أبناء الدول الشقيقة للجزائر على موقعها وعلاقتها الطيبة بكل أشقائها وزخم تاريخها وعظمة ثورتها لعل ذلك يكون مساعداً لهم على الخروج من حالة الاحتضار البطيء الذي يعيشونه هم وأوطانهم، وأختم فاقول إن حتى هذه اللحظة عندما يؤرخ لاستقلال الجزائر يقال ثورة المليون شهيد أن أنهار الدماء الطاهرة التي سالت من هؤلاء الأبطال هي التي جعلت من استقلال الجزائر حدثاً مجيداً في التراث الوطني للإنسانية جمعاء، وهي التي تبقي الجزائر حاضرة ناضرة حية دائماً في الذاكرة والقلب.
حفظ الله الجزائر وأهلها واستقلالها هذا العام وكل عام.