في الوقت الذي أدى هبوط سهم شركة اتحاد اتصالات «موبايلي» إلى أضرار بسوق الأسهم السعودية في جلسة التداول أمس الثلاثاء، فقد أجمع عدد من الاقتصاديين والمحللين الماليين على أن هذا الهبوط يعكس حالة اهتزاز الثقة لدى المساهمين والمستثمرين في الشركة وشكوكهم في مصداقيتها، نتيجة الأخطاء التي حدثت في طرق التعامل المحاسبي والاعتراف بالإيرادات قبل وقتها، مشيرين إلى أن ضرر موبايلي حتما سيكون ذا أثر عميق على السوق والمستثمرين.
ودعا الاقتصاديون والمحللون الماليون في حديثهم لـ«الجزيرة» المسؤولين في شركة «موبايلي» إلى سرعة اتخاذ إجراءات حاسمة ومحاسبة من كانوا سبباً فيما آل إليه الوضع في الشركة، وفي حالة من القلق انتابت السوق والمستثمرين، لاسيما وأن «موبايلي» كانت تمثل إلى عهد قريب نموذجا للكفاءة المالية والإدارية والالتزام بالمعايير، لافتين إلى أن هذا القلق سيتواصل ما لم تضع هيئة السوق المالية حدا لبعض المخالفات التي تجد الحصانة لفترات من الزمن قبل أن تطفو على السطح، ما يتسبب في نزع ثقة المستثمرين بمعايير وأدوات الحماية في السوق، كما طالبوا بضرورة إنشاء جهاز محاسبي رقابي على الشركات المساهمة يساند هيئة السوق المالية. جاء حديث الاقتصاديين والمحللين الماليين متسقا مع تراجع سهم موبايلي إلى 72 ريالا عند الافتتاح، حيث استمر عند هذا المستوى لبقية الجلسة مسجلا أدنى مستوى إغلاق له في 21 شهرا، وعند الإغلاق تم تداول نحو 310 آلاف سهم لموبايلي فقط، ولم تنفذ طلبات بيع لحوالي 27.6 مليون سهم وهو ما يشير إلى أن السهم ربما يشهد مزيدا من الانخفاض اليوم الأربعاء. وكانت هيئة السوق المالية قد أعلنت أمس الأول رفع تعليق تداول سهم الشركة ابتداءً من يوم الثلاثاء 11-01-1436 هـ الموافق 04-11-2014. كما أكدت الهيئة على أنها بدأت اتخاذ الإجراءات اللازمة للتحقق من مدى وجود مخالفات من قبل الشركة لنظام السوق المالية ولوائحه التنفيذية. وقد تصدرت موبايلي في العام الماضي 2013م قائمة الشركات الأعلى مكافآت لمديريها التنفيذيين في السوق السعودي بـ 72 مليون ريال.
تقييم شامل للشركة وأسعارها العادلة
قال الاقتصادي محمد العنقري: إن شركة اتحاد اتصالات أدخلت نفسها في مرحلة صعبة لاستعادة ثقة المستثمرين بها والتي اهتزت كما هو واضح من أداء السهم بعد إعادته للتداول نتيجة حجم العروض الضخم على السهم وهبوطه بالنسبة القصوى 10%. لافتا إلى أنه يظهر من خلال الإيضاحات المرفقة مع إعلان الشركة عن نتائجها أنها ارتكبت عدة أخطاء كالاعتراف بالإيرادات قبل وقتها الحقيقي، وكذلك عدم جهوزية منافذ خدمات لديها تتعلق بالألياف البصرية وتم تسجيلها كأنها إيرادات كاملة رغم عدم جهوزية تلك المنافذ.
وأردف العنقري:»مثل هذا الخلل بطرق التعامل المحاسبي من الشركة يعد مفاجئا لأنها شركة كبرى بقطاعها وبالسوق ولا يوجد له مبرر مقنع ولها دلالات سلبية حتى مع كل ايضاحات الشركة وتفنيدها للمشكلة وطرق علاجها، لأن ذلك يضع المستثمر دائما في موقع الشك بأي إعلان مستقبلا، وهذه من الأحداث التي تكررت في أسواق العالم وكانت ردة فعل المستثمر سلبية، حيث كانوا يبيعون بدون تردد لشكوكهم بمصداقية الشركات التي تقع في مثل هذه الاخطاء الفادحة».
وتساءل العنقري: «ما الذي يضمن للمستثمر أن الشركة قد عالجت الخلل ولن يتكرر؟، فكل ما أعلن من الشركة أنه تم تكليف لجنة لتحديد المسئولية عن الأخطاء وهذا غير كافي، فلا بد أن تتخذ قرارات تعيد الثقة للسهم من مجلس ادارة الشركة»، مبينا انه من المعروف ماهي عادة القرارات التي يتم فيها التعامل بمثل هذه الظروف والتي لا تقل عن محاسبة ومعاقبة وفصل كل المسؤولين في الشركة المتسببين بالأخطاء والاضرار بسمعة الشركة بداية من أعلى المسؤولين بالادارة التنفيذية ومجلس الإدارة دون استثناء لأن مصلحة الشركة والمساهمين فوق كل اعتبار، «وقد رأينا بدول عديدة كيف يتم معاقبة المسئولين عن الخلل باداء أي شركة والتي أقلها فصلهم ومحاسبتهم ناهيك عن محاكمتهم اذا ثبت تورطهم عن عمد بأي ضرر يحدث للشركة والمساهمين».
وقال العنقري: التاثيرات لا تقف عند شطب أرباح أو خلافه بل إن النظرة ستتجه لتقييم شامل للشركة كأصول وحقوق مساهمين وتوقعات مستقبلية لها، بالرغم من أن أوضاعها لا تدعو للقلق الكبير لكن الحاجة لتقييم أسعارها العادلة ستؤثر كثيرا على حركة السهم ولذلك لابد ان يتحرك مجلس ادارة الشركة بسرعة لاتخاذ قرارات حاسمة تعيد الثقة للسهم»، مشيرا إلى أنه يفترض أن يتحرك المساهمون من خلال الجمعية العامة لممارسة حقهم بمعرفة أوضاع الشركة والتأثير في قراراتها الجوهرية.
وأضاف العنقري بأن ماحدث يتطلب إنشاء جهاز محاسبي رقابي على الشركات المساهمة يساند هيئة السوق المالية، لكنه مستقل باجراءاته وله صلاحيات واسعة حتى يساهم بالرقابة والمحاسبة، واتخاذ كل ما يلزم لحماية المساهمين، فالثقة يجب أن تعزز بالسوق من خلال سد كل الثغرات وتطوير الآليات التي تحفظ الحقوق، ولابد من إعطاء قوة ودعم أكثر للمؤسسات المالية التي تقيم الشركات بضرورة تمكينهم من الإطلاع على معلومات الشركات التي يغطونها لكي يكونوا جزء رقابيا إضافيا، كما يجب تفعيل كل متطلبات الحوكمة ومعاييرها لرفع مساهمة دور المستثمرين بقرارات الشركة، كما يجب إقرار نظام الشركات لتطوير معايير رقابتها، وإيضا السماح لها بشراء أسهمها من خلال النظام لأنه أحد المؤشرات على زرع الثقة من عدمها بالشركات.
المرونة المالية قد تقود إلى الخطر
فيما أشار الاقتصادي فضل البوعينين إلى أن أثر إعلان «موبايلي» كان واضحا في تعاملات الأمس، فقد قاد السهم للإغلاق على النسبة الدنيا وجر السوق بأكمله الى الأسفل فاقدا 357 نقطة، مبينا أن هذا يعكس حجم القلق الذي انتاب السوق والمستثمرين. وهو قلق سيتواصل ما لم تضع هيئة السوق حدا لبعض المخالفات التي تجد الحصانة لفترات من الزمن قبل ان تطفو على السطح، ما يتسبب في نزع ثقة المستثمرين بمعايير وأدوات الحماية في السوق.
وقال البوعينين: «في اعتقادي أن ضرر موبايلي سيكون ذا أثر عميق على السوق والمستثمرين والجهات الرقابية خاصة وأن الشركة كانت تمثل إلى عهد قريب النموذج المثالي للكفاءة المالية والإدارية والالتزام بالمعايير حسب ما كان يعتقده المراقبون». مؤكدا ضرورة تحمل شركات المراجعة المالية والقانونية كامل المسؤولية عما يصدر عنها من قوائم مدققة، وإن كانت الشركة المساهمة متسببة في تضليلها بالبيانات المغلوطة، إلا أن ضعف بعض شركات المراجعة وتجاوز بعضها يفرض على هيئة السوق أن تعتمد جهة رقابية تقوم بفحص القوائم وتدقيق إجراءات شركات المراجعة المالية ومدى إلتزامها بالمعايير المحاسبية الدقيقة.
وأضاف:»في حالة موبايلي من المفترض أن يكون هناك تحقيق موسع مع ثلاث جهات رئيسة هي: شركة المراجعة المالية، المراقب المالي، وإدارة الشركة وإن استدعى الأمر مجلس الإدارة أيضاً، كما ان الهيئة مطالبة بمراجعة صفقات التخارج التي تمت على السهم قبل إيقافه، بل وفحص صفقات البيع خلال الفترة المالية التي أجريت عليها التعديلات لضمان عدم استفادة البعض من النافذين في الشركة من إعلانات الربحية غير الصحيحة خلال الفترات الماضية.
وأردف البوعينين: «لست مع من يرى قبول المرونة في التدقيق المالي، خاصة في الشركات المساهمة لما له من اثر سلبي على القوائم المالية أو ربما يحمل الإدارة على التهاون في ضبط أهم الأركان الرئيسة في الإدارة، كما أنه يتسبب في إعطاء صورة غير دقيقة للوضع المالي الشامل في فترات محددة، وهذا قد يترتب عليه تعاملات غير مشروعة في السوق. موضحا أن المرونة المقبولة يفترض أن تكون منضبطة بالمعايير المحاسبية. وكل ما يخل فيها يعني أنه تجاوز الحدود. (لذا قلت في البداية أن الشركات المساهمة لا ينفع معها الا الضبط والدقة بعيدا عن المرونة التي قد تقود الى الخطر).
وحول معالجة الجوانب المتعلقة ببعض التجاوزات للشركات التي تتبع الشركة الأم والتي قد يكون الهدف منها إخفاء العيوب وبالذات المديونية قال البوعينين:»إن القوائم المجمعة تعكس وضعية الشركة الأم بدقة، والمراجع المتميز قادر على ربط الخيوط بعضها ببعض، كما أن المسميات المبهمة يجب تحليلها بدقة من قبل المراجعين والجهات الرقابية، إضافة إلى أهمية دور حملة الأسهم في الإستيضاح عن أي بند مجهول أو غير واضح بالنسبة لهم. مستدركا بأن القيود المالية والحسابات المصرفية والإلتزامات أمور لا يمكن تضليل المدقق الحذق فيها، إلا أن يكون متواطئا، وأي شركة تابعة لا يمكن إخفائها ابدا. إلا أن تتعمد الإدارة ذلك، فتكون منغمسة في الإحتيال المالي حينئذٍ، وفي بيئة الأنظمة الرقابية الكفؤة لا يمكن عمل مثل هذا أبدا، أما البيئة الضبابية ففي الغالب تكون مستنقعا لنمو شجيرات الفساد».
وأضاف البوعينين:» قد يكون هناك ممارسات خاطئة من قبل بعض شركات المراجعة تحدث لأسباب تسويقية صرفة، كخشيتهم فقدان عقد التدقيق على سبيل المثال، وهناك بعض شركات التدقيق المتواطئة لأهداف ربحية، لكن في المقابل هناك شركات مراجعة نزيهة وكفؤة يمكن الإعتماد عليها. الا ان التدقيق المستقل من قبل الجهات الرقابية قد يحمل الجميع على الإلتزام التام، كما أن العقوبات المغلظة قد تمنع شركات التدقيق من الإخلال بمعايير الإلتزام المحاسبية»، داعيا هيئة السوق المالية إلى ضرورة تطبيق المعايير العالمية بدقة وإلزام الجميع بها.
عودة الثقة ستحتاج إلى وقت طويل
من جانبه، قال الاقتصادي والمحلل المالي محمد العمران إن شركة اتحاد إتصالات (موبايلي) فاجأت السوق المالية السعودية والمستثمرين عموماً بتأجيل الإعلان عن نتائجها المالية الفصلية، وذلك لأول مرة منذ تأسيسها وهو ما شكل صدمة لشركة محترمة تعمل باحترافية عالية وفتح باب التكهنات والشائعات على مصراعيه حول لماذا تأخرت؟ و كيف ستكون النتائج المالية؟ و ما هو الخبر الجوهري الذي ألمحت إليه الشركة في إعلانها عن عدم تمكنها من إعلان النتائج المالية قبل نهاية المهلة المحددة.
وأردف العمران: الآن وبعد إعلان النتائج المالية للشركة، تبين أن سبب التأخير يتعلق بأمور محاسبية بحتة وليس له علاقة بتغييرات إدارية أو عملية استحواذ كما أشيع، لكن هذه الأمور المحاسبية تضمنت تعديل واسع النطاق في القوائم المالية للشركة خلال عامي 2013م و 2014م، كانت له إنعكاسات سلبية على حقوق المساهمين و الإيرادات وصافي الأرباح وبشكل كبير مع الأسف، حيث تبين أن الشركة كانت تقوم بتضخيم الإيرادات من خلال الاعتراف بإيرادات لم تتحق بعد، تخص أحد البرامج الترويجية وتأجير منافذ اتصالات شبكة الألياف البصرية في مخالفة صريحة للمعايير المحاسبية، حيث اضطرت الشركة بضغط من مراجع الحسابات إلى تصحيح الوضع المالي ثم إعادة صياغة القوائم المالية و بأثر رجعي من 2013م، ونتج عن ذلك تخفيض للأرباح المحققة منذ 2013م بقيمة تعادل 1,4 مليار ريال و هو بالتأكيد رقم كبير.
وأشار العمران إلى أن المشكلة أن الشركة بمخالفتها للمعايير المحاسبية بهدف تضخيم الإيرادات تكون قد فقدت مصداقيتها أمام مساهميها خصوصاً والمستثمرين عموماً آخذين في الاعتبار أنها قبل شهور قليلة قامت بعمل مشابه عندما ضخمت إيراداتها أيضاً في اتفاقيتها مع شركة عذيب ثم أجبرت على الاعتراف بالخطأ و تصحيح الوضع، مبينا أن الشركة ربما ستحتاج إلى وقت طويل حتى تستعيد مصداقيتها وثقة الجميع بها مرة أخرى، ولن يكون ذلك قبل إعلان نتائجها المالية السنوية المدققة نهاية 2014م و تقرير مراجع الحسابات الخارجي الذي سيمثل خط الدفاع الأول.
وقال العمران في ذات السياق:»يبدو أن هيئة السوق المالية فتحت هي الأخرى تحقيقات حول شبهة وجود مخالفات لأنظمة الهيئة و لوائحها قامت بها الشركة وإذا ما أثبتت التحقيقات وجود مخالفات فعلاً فأعتقد أن الوضع سيتفاقم للأسوأ، بينما إن لم يتبين وجود مخالفات فإن هذا سيعيد جزءاً من الثقة المفقودة».
ولفت العمران إلى أنه قد لا تكون هناك انعاكسات مباشرة على إدارة الشركة الآن لكن بمجرد التأكد من تصحيح الوضع وعودة الثقة فإن الشركة حتماً ستشهد تغييرات إدارية إلى جانب مراجعة شاملة لأنظمتها المحاسبية والرقابية للتأكد من عدم تكرار ما حصل للمرة الثالثة، آخذين في الحسبان أنها شركة محترمة و عملاقة لها وزنها الثقيل في السوق المالية السعودية، حيث من المفترض أنها تمارس أنشطتها بإحترافية عالية وفق المعايير المعتمدة داخل المملكة و خارجها بعيداً عن أي ممارسات خاطئة، مستدركا بأن ما حدث شكل صدمة للجميع بدليل أن سعر السهم السوقي بعد هذه الاخبار عكس حالة الصدمة التي يعيشها المساهمون حالياً بشكل سلبي وكما كان متوقعاً.