اطلعت مؤخراً على تقرير أصدره مركز جلوي بن عبد العزيز بن مساعد لتنمية الطفل جاء فيه أن النسبة العامة للتحرش الجنسي بالأطفال في المملكة بلغت 22.5% بمعدل طفل من كل أربعة أطفال, رقم عالٍ جداً وخطير لأنه يضعنا من بين الدول الخمس عالمياً من حيث نسبة التحرش الجنسي الأطفال, وأوضح التقرير أن الرياض تحتل المركز الأول في إيذاء الطفل بنسبة 47 % ثم جدة بنسبة 14 % فالطائف 10 % وآخرها الدمام بنسبة 7%, الحقيقة التي لفتت انتباهي في هذه التقرير وأثارت استغرابي أنه غير واضح وليس مفصلاً خصوصاً أنه يتحدث عن التحرش الجنسي بشكل عام دون أن يعرّف المقصود بمفهوم التحرش الجنسي, ما هو تعريف التحرش الجنسي الذي أقيمت عليه مثل هذه الإحصائية, ثم إن التقرير لم يوضح بشكل مباشر من هو الطفل الذي يتعرض للتحرش الجنسي عمراً وبيئة وجنسية, ليس الأمر بالتمييز عنصرياً بين الأطفال المواطنين والمقيمين، بل لتحديد المجتمعات والبيئات العائلية التي ينتمي إليها هؤلاء الأطفال وربطها بالتعريف المقصود به مصطلح التحرش الجنسي.
لمجرد قراءة الخبر أن 22.5 % من أطفال المملكة يتعرضون لتحرش جنسي، فإن هذا الخبر يشكّل صاعقة, النسبة عالية مرتفعة ولها مدلولات عديدة كلها ستكون حتماً سلبية عن المجتمع السعودي, لا أعني هنا التخفيف أو التجميل، بل أنا مؤيد جداً إلى المكاشفة والمصارحة في مثل هذه الأمور, ولكني ضد المبالغة أو التشويه في عملية البحث والاستقصاء والدراسة حولها, يجب أن تكون الجهات المسؤولة عن إصدار مثل هذه التقارير معتمدة ورسمية وبنفس الوقت متخصصة, الدراسات السطحية أو البسيطة مرفوضة تماماً في مثل هذه الحيثيات من واقع مجتمعنا السعودي, فمثلاً في التقرير نفسه إشارة إلى أن ما نسبته 90 % من الأطفال الذين يتعرضون للتحرش الجنسي يكون التحرش من أشخاص معروفين بالنسبة إليهم سواء من الأصدقاء أو الأهالي أو الجيران, التقرير كما نشره الخبر خلط بين إيذاء الطفل وبين التحرش الجنسي أو على الأقل لنقل لم يكن واضحاً, الأمران مختلفان.. الإيذاء مختلف عن التحرش, التحرش نفسه له عدة تعاريف تعتمد على حسب البيئة التي يعيش فيها الطفل، ويتدرج التحرش من الإيماءة إلى الحديث إلى الاتصال البدني, حتى إن بعض المجتمعات اعتبرت أن بعض أنواع الملابس التي يرتديها الأب أو الأم أو الأخت قد تُعتبر من باب التحرش الجنسي لدى الطفل, إذاً الأمر فيه تحليل وتوصيف، أما أن يُطلق على العام فهو مرفوض وغير مقبول.
كنت قد حضرت ندوة تحدثت عن مشكلة التحرش الجنسي بالأطفال, وقد استغربت من الحلول التي قدمت من حيث إن السبب في التحرش الجنسي هو ضعف الوازع الديني لدى المتحرش نفسه, حقيقة لا يمكن الوقوف فقط على هذا الجانب لأن الوازع الديني نفسه حين يضعف يخلق أموراً سلبية كثيرة, لعل العامل النفسي والعلاج هو الأهم مع وجود العوامل الأخرى التي أراها من وجهة نظري مهمة أيضاً، وهي تأهيل وتدريب الأطفال أنفسهم وتوعيتهم, ثم التشدد في العقوبات وتغليظها, مع التركيز على الناحية الأمنية والمتابعة من حيث وجود سجلات رسمية لأية حالات تحرش سابقة مع تغطيات مراقبة لعدد من الأماكن التي تقع فيها مثل هذه الأفعال, الأمر يحتاج إلى مزيد من التوقف والتمهل في معالجته بدقة وحذر, البيئة العامة في المملكة بيئة متنوعة تحتاج إلى توعية عامة بأكثر من لغة، واستناداً إلى أكثر من خلفية مجتمعية.