لا شك أن الصلاة في المساجد لها أهمية عظيمة، لا يقدرها إلا المسلمون الذين يقيمون الصلاة فيها جماعة، ويتعارفون، ويتشاورون، ويتصالحون.. وهي أحب البقاع إلى الله؛ لمنزلتها العظيمة الأشد منزلة وعظمة من المنازل التي نحرص على بنائها وتأثيثها؛ لأن المساجد بيوت الله التي يُذكر فيها اسمه، وتقام فيها الصلاة جماعة في خشوع وسكينة، وإذا سمعنا الأذان اتجهنا إليها بقلوب صافية، وضمائر نقية، طاهري الأبدان والثياب من النجاسة والأدران؛ لأننا متجهون لمناجاة ربنا في ظلمة الليل، وإشراقة النهار، مستقبلين القبلة مع المسلمين على مختلف ألوانهم ولغاتهم وأجناسهم، دون تميز بين الرئيس والمرؤوس والغني والفقير إلا ميزة التقوى، في صفوف متساوية، وقلوب خاشعة، وألسنة ذاكرة، وآذان سامعة لتلاوة القرآن من الإمام، نكبر إذا كبر، ونرفع إذا رفع، ونسجد إذا سجد، ونسلم إذا سلم، وننصرف إذا انصرف، وألسنتنا لا تنقطع عن ذكر الله تسبيحاً، وتحميداً، وشكراً على نعمة أدائها جماعة في بقعة واحدة، وقبلة إلى الكعبة، يتفقد بعضنا بعضاً عن حاله؛ لأننا جسد واحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وإذا افتقدنا واحداً من المصلين بمرض عدناه، واطمأننا على صحته إلى أن تُردّ إليه، وإذا توفي تبعنا جنازته إلى أن توارى في التراب، وإذا أُصيب بفاقة وقفنا معه، وساعدناه إلى أن يخرج من فاقته؛ لأننا نقدر صلة العقيدة التي لا فرق فيها بين عربي وأعجمي، ولا أبيض وأسود؛ لأن الإسلام جمع بين قلوبنا في الإيمان الذي تجسده الصلاة التي هي الفارق بين الهدى والضلال، والإيمان والكفر، وشدد الله عقوبة تاركها؛ لأنه لا عذر لمن يستمتع بعقله عن أدائها حسب قدرته في مختلف الظروف والأوقات والمواقع؛ لراحة يجدها المصلون في صلتهم بالله؛ إذا رفع يديه وكبّر ترك متاعب الدنيا التي لا تنتهي، وأحلامها التي لا تتحقق، وذكر ملذات الآخرة، ونعيمها الذي لا يماثله نعيم.. ولذة أخرى يجدها إذا سجد مبتهلاً، متقرباً إلى الله أن يرحمه رحمة ليست عند الخلائق الذين ينقصهم القدرة التي يقدر عليها من شفاء الأمراض الظاهرة، والأسقام الباطنة؛ لأن عنده العلاج الشافي، والبلسم الواقي لجميع مآسي ومصائب الحياة التي يصعب الخروج منها.
فالصلاة راحة للعقل، وأمان للجسد، يجدهما المصلي إذا وقف بين يدي الله يرجوه شفاء علة مرضه، وفاقة ضائقته؛ لأنه على يقين وإيمان بأنه يناجي من بيده الحياة والموت، والشفاء والمرض، والغنى والفقر، والعز والذل..
ولهذه الأهمية العظيمة للصلاة وصلت المساجد في بلادنا لأكثر من مائة ألف جامع ومسجد، وهو عدد لا مثيل له في العالم، التي تحرص حكومتنا الفتية على بنائها في المدن والمحافظات والمراكز، وبذل المليارات من الأموال لبنائها وتأثيثها وبقائها.
لذا نأمل من المراقبين في إدارات ومكاتب الأوقاف والمساجد داخل المدن والمحافظات والمراكز أن يحرصوا على زيارة المساجد، وتفقدها، وعدم العبث بها، وحث المؤذنين والأئمة على عدم التخلف عن رفع الأذان، وأداء الصلاة.
كما نأمل من المسلمين أداء الصلاة في وقتها، ولا ينشغلوا عنها بمشاغل الدنيا؛ لأن أصحاب العقول المميزة والأجساد القادرة الأفضل لهم الذهاب إليها؛ لارتفاع حسناتهم، وانخفاض سيئاتهم، ونيل رضا الله الذي أعده لعباده المصلين.