هذه هي الزيارة الثالثة لتركيا، الأولى قبل عقدين أو ثلاثة، وكان الغرض منها البحث عن الكتاب المنسوب لشعيب الدوسري (إمتاع السامر) و(متعة الناظر) ورغم أني استعنت بتركي درس في إحدى جامعات المملكة إلا أني لم أعثر على أثر للكتاب الذي زُعم أنه طبع هنا، ومن أسباب ذلك أن أسماء الكتب في دور الكتب الحكومية تُكتب بالحروف اللاتينية، فهذا الكتاب ممكن يبدأ بـ: MUTAT وممكن يبدأ بـ: MOTAT وممكن جداً أن يكون غير موجود، وأنه من أساسه كذبة سوداء (نسبة للحبر المكتوب به)، وهذا يغضب الأستاذ: إبراهيم طالع الألمعي (كاتب الشرق) ومن يرى رأيه.
وقد حاولت لهذا السبب العودة للمملكة إلا أني فوجئت بأن التذكرة توجب البقاء 6 أيام، فبقيتها على مضض.
الثانية برفقة زوجتي وبعض أولادي، فلم نتوغل في الريف التركي، وتجوّلنا في المدن القريبة من استانبول.
أمّا هذه الرحلة الجميلة التي أخذنا فيها ابني بدر وفقه الله وجزاه خيرا فقد كانت ممتعة وشيّقة (INTERISTING).
من مطار استانبول الرئيسي المزدحم أخذنا سيارة لتوصلنا للمطار الداخلي المزدحم هو الآخر، (وفيه قسم الرحلات الخارجية).
كان الحجز من هذا المطار لمدينة طرابزون (ترابزون) الجميلة، ومطارها على البحر، وقيل لي إن رحلات تصلها باستمرار من بريدة، والرياض بواسطة (طيران ناس) وغيرها، وبعد بضعة أيام غادرناها للريف التركي، فدخلنا أحد الشعاب والأشجار تكسوه من كل جانب والمنازل منتثرة يميناً وشمالا والشلالات تسحر العيون، والمساجد ومآذنها تبهج النفس وتسرّ العين وتشنّف الآذان، وفيه قرية (إيدار) أو (أيدر) الجميلة التي بها مياه حارة.
وفي منتصف هذا الوادي أقمنا يومين أو ثلاثة بين المطر والسحاب والضباب وخرير المياه والشلالات والخضرة المحيطة بنا من كل جانب، ومآذن المساجد وأصوات المؤذنين التي تبهج النفس، وتشرح الصدر، وتريح سامعها، وتذكّره بقريته ومدينته.
إلى بحيرة أوزنقول
اتجهنا إلى مدينة (أوزنقول) التي تشتهر ببحيرتها ومساجدها ومآذنها، وبقينا فيها عدّة أيام، وصمنا يوم عرفة وصليّنا العيد في أحد مساجدها الكثيرة، وقمنا برحلة للجبال حيث بحيرة السماء، وهي في أعالي الجبال، وبقربها بحيرة أخرى، وساءنا وجود مخلفات منثورة حولها لابد أنها من ربعنا أو ربع ربعنا، ولم تسمح نفوسنا (أقصد نفسينا) أنا وابني بتركها، بل جمعناها (ولأننا نسينا الكبريت (الوقيد) في السكن) فلم نتمكن من إحراقها، لذا أخفيناها تحت كومة من الأحجار، وهذا الوضع يذكّرني -بكل أسف- بما يفعله (ربعنا) في المملكة في البر والروضات وتحت الأشجار من ترك مخلفاتهم منثورة وعدم جمعها وحملها معهم لأقرب حاوية، اللهم اهدهم لترك هذه العادة السيئة التي تربّى عليها معظمهم.
ثم واصلنا الارتفاع حتى وصلنا الثلوج المتبقية من ثلوج الشتاء، وشاهدنا في طريقنا مجموعات من الإخوان أقصد الإخوة الأتراك يذبحون ضحاياهم من الأبقار والثيران في الهواء الطلق.
وتوقفنا في قرية قديمة بها مسجد جديد بني عام 2011م صلينا فيه الظهر والعصر.
وذكرتني الأبقار والثيران بنكتة لطيفة (التاء المربوطة في (نكتة) بفتحتين) فقد قال أحد الأزواج (غير المؤدبين) لزوجته المؤدبة، (يا هالبقرة)، فسكتت، وبعد قليل سألته: من هو زوج البقرة؟ فأسقط في يده وندم بعد فوات الأوان.
كما ذكرتني بحيرة السماء ببحيرة السماء الكبيرة في تركستان المحتلة قرب مدينة (أورومشور)، وهذه البحيرة تسير فيها السفن صيفاً، كما تسير فيها السيارات شتاءً بعد تجمّد مياهها، وهذه المنطقة المسلمة محتلّة الآن من الصين.
مساجد ومآذن
غادرنا (أزنقول) في طريقنا إلى الطريق الرئيسي المحاذي للبحر الأسود وأسعدنا وشرح صدورنا مشاهدة الكثير من المساجد بمآذنها الشامخة في السهول والجبال، عشرات المساجد والمآذن في المدن والقرى وفي أعالي الجبال، وهذا يدل على أن الشعب التركي المسلم مسلمٌ حقاً.
وهذا يدحض أقوال بعض المرجفين المتنطعين المتفيهقين (ما معناها)، الذين قالوا بغير ذلك، وليتهم يشاهدون ما شاهدنا، ليغيروا نظرتهم الظالمة.
في طرابزون
استرحنا قليلاً في شاطئ هذه المدينة، وشكراً لبلدية الأحساء التي سمّت شاطئ العقير بهذا الاسم، ولم تأت بتلك الكلمة الفرنسية الطويلة السيئة التي أخذت بها مدن المملكة الواقعة على البحر، وتركت الكلمة العربية السهلة التي أخذت بها بلدية الأحساء مشكورة والتي كنت أثنيت عليها في فقرة من فقرات مقالاتي (أكثر من موضوع).
نسيت أن أقول إن تلك الكلمة الفرنسية هي (كورنيش).
كما نسيت أن أقول إن البحر الأسود يحدّ تركيا من الشمال، وجزء من جورجيا من الشرق أذربيجان وأرمينيا وإيران.
كما نسيت (آخر مرّة) أن أقول إن مسجد الجامع في (أوزنقول) في حاجة إلى تبّرع المسلمين لترميمه، ولإكمال المبنى الذي سيكون مدرسة لتحفيظ القرآن للبنين والبنات، وقد بُدئ في تشييده، وحوله لوحة تحمل نداءً للمسلمين للتبرع، وقد شاهدت دَرَج المسجد مسكّراً، مما يدل على الحاجة الفعلية للتبرع.
وهنا تذكّرت ما كان يفعله الشيخ محمد بن ناصر العبودي في رحلاته لأصقاع الدنيا حيث كان يوصل مساعدات الرابطة لمساجد ومدارس المسلمين هناك، وأخشى أن تكون توقفت.
الخطوط التركية
سافرنا في هذه الرحلة على الخطوط التركية، وبين الرياض (في الجو) واستانبول طلبت بطانية (كمبل) فجاءت المضيفة بواحدة مستعملة فطلبت جديدة، فجاءت بها بعد فترة ورمتها عليّ رمياً غير خفيف.
في يوم الثلاثاء 10/12/1435هـ زرنا مساكن الآشوريين التي بنوها ونحتوها عام 300 ميلادية وهالنا ما شاهدناه من عظمة تلك المساكن في أعالي الجبال، وغرف منحوتة في الجبال تشبه مدائن صالح في المملكة، بل هي أعظم منها (من بعض الوجوه)، فقد رتبت زيارتها ترتيباً جميلاً يعجب السياح الذين يأتونها من كل مكان.
وفي اليوم التالي الأربعاء 11/12 غادرنا مدينة (متشيقا) مع طريق آخر غير الطريق الذي ذهبنا معه بالأمس إلى مساكن الآشوريين في الجبال، وكلٌ أو وكلاً من الطريقين متجه جنوباً، تاركاً البحر وطريق الساحل ومدينة طرابزون خلفه، وهذا الطريق جديد ومرتب وتكثر فيه الأنفاق الطويلة الجميلة التي ذكرتني بأنفاق مكة المكرمة، ونفق تهامة الذي يفصل بين (الشعبين) و (رجال ألمع)، وعرجنا على مغارة هناك متوسطة، ليست كمغارة (جعيتا) اللبنانية، ولا كمغارات جزيرة (مايوركا) الإسبانية، التي تبعد عن برّ إسبانيا 8 ساعات بالباخرة، وفيها آثار للمسلمين (آيات من القرآن الكريم تحيط ببعض مبانيها من الخارج) وحاولنا الوصول إلى شلالات قيل إنها الرابعة بين شلالات العالم فلم نعرف طريقها، وقال لنا (قوقل) إنها بعيدة، فرجعنا أدراجنا.
اقتراح
وإني أقترح على إخواني الأتراك الاهتمام بآثار بلادهم، وبسيّاحهم، وذلك بوضع صور للآثار في بدايات الطرق المؤدية إليها (مغارات، آثار قديمة، بحيرات، شلالات، مساكن داخل الجبال .. الخ).
ويجب عدم الاكتفاء باللغة التركية في الخرائط وفي الطرق، بل يجب وضع لغات أخرى كالإنجليزية والعربية، ليكون السياح على بيّنة من أمرهم.
خارطة تركيا
لم أجد خارطة لتركيا بغير التركية فـ (تعبّرت) بها (بالتركية) نتعبّر بأم شوشة الين تجي المنقوشة.
ولأني سأمر بمدينة اسطنبول (استانبول) فسأحاول العثور على خارطة تصور فيها ما في كل منطقة أو مدينة من الآثار أو المنتجات.
(لم أجد شيئاً في مكتبة كبيرة في المدينة، بل لم أجد فيها خارطة باللغة الإنجليزية أو العربية).
تسجيل الجوازات في القنصليات
لم نستطع تسجيل جوازاتنا في القنصلية -رغم حرصي على ذلك- وأعتقد أن نسبة كبيرة من المواطنين لا يسجلون جوازاتهم في كثير من الدول التي يزورونها، مما يعرّضهم لمشاكل هم في غنى عنها.
وإني أقترح على وزارة الخارجية ممثلة في سفاراتها وقنصلياتها في الدول التي تكتظ بالمواطنين مثل: تركيا وماليزيا وإندونيسيا والإمارات ومصر (والبحرين) وغيرها أن يوجد موظف في المطار يختم جوازات القادمين (الكسلاء).
قد يستغرب هذا الاقتراح، ولكنه ضروري لخدمة الجميع.
مشاهدات
- مدة 15 يوماً لم نر فيها أي حادث مروري، بل كلٌ يسير في طريقه بنظام (يقلّ عن النظام الموجود في بعض الدول الأوروبية وغيرها، ولكنه يبزّ (أي يزيد) عن ما في بعض الدول النامية (الميم قبل الياء).
عفواً كلمة يبزّ ذكرتني بـ (البيز) الذي تُتَّقّى به حرارة الدلّة أو الإبريق، ومن قولهم فيه (ردّ البيز هات البيز واثر البيز خرقة)، ويسميه البدو (المندسّ) لأنه يندسّ (أي يختفي) في الرمل.
- توجد أبواق مزعجة، تزعج بعض السكان.
- توجد هنا غلظة عند البعض، وهي موجودة عند شعوب كل الدول، ولكن النسبة تختلف من دولة لأخرى، بل من منطقة لأخرى في الدولة الواحدة.
- اللبن يسمونه (عيران) مثنّى عير (العين مفتوحة)، وهذا اللبن موجود في الإمارات يأتيهم من لبنان ومن غيره.
- إذا دخلت محلاً أو على شخص أو أشخاص فلا تقل السلام عليكم، بل أعكسها وقل (وعليكم السلام) ولا بأس من إكمالها (ورحمة الله وبركاته).
- في رحلتنا جواً من طرابزون إلى استانبول أساءت لنا مضيفة (حيزبون) في إحدى شركات الطيران الداخلية.
- مدينة طرابزون ومنطقة طرابزون ذكّرتاني بالأستاذ أسعد طرابزوني الحسيني المدني الذي نشر عدة كتب، منها (نَكْت الهيمان في نُكَت العميان)، الذي طبع عدة طبعات قديمة، ثم عني بطبعه ونشره الأستاذ أسعد الذي أشاد به الأدباء المعاصرون له في أكثر من 30 صفحة في أول الكتاب، فقلت (في نفسي) لعل لهذا الرجل صلة بتلك الأصقاع والله أعلم.
أخيراً -لا آخراً- شكراً لابني بدر الذي سهل الرحلة بشجاعته وشهامته وصبره عليّ وعلى (قومي).