العُديْل تصغير للعدل، والعدل بلهجة أهل نجد هو الإناء الذي تخزن به الحبوب، كالقمح والأرز. وكان أبو برجس رجلاً طيباً للغاية، وله جار مشاكس؛ فيتسلل هذا الجار المشاكس لدار أبي برجس الطيب، ويتزود من القمح والأرز، ومن ثم يدعو أبا برجس الطيب، ويولم له، وعندما ينتهي أبو برجس من أكل الطعام الذي هو في الأصل من عديله يجزل الثناء والدعاء والمديح لجاره، فيرد جاره المشاكس بهذه العبارة (من عديلك يا أبا برجس)، أي من مالك.
هذا ما يحصل بالضبط بين وزارة العمل ووزارة المالية. طالبت وزارة العمل الشركات بأن توظف السعوديين تحت ما يسمى السعودة.. بالنسبة للشركات المالية والاستثمارية والبنوك والشركات التجارية كانت توظف السعوديين من قبل نظام وزارة العمل؛ إذ إن أعمال تلك الشركات إدارية، ويقبل عليها السعوديون. أما ما يتعلق بشركات المقاولات فإن السعوديين لا يقبلون أصلاً على العمل بها؛ لأنه من المعروف أن أعمال شركات المقاولات شاقة، كشق الطرق والسفلتة والحفريات وما شابه، ومع هذا تصر وزارة العمل على أن تطبيق هذه النسبة على شركات المقاولات؛ فيضطر هذا المقاول إلى أن يذعن ويوظف سعوديين، ويصرف لهم رواتب شهرية متواضعة دون تكليفهم بأي عمل، أي إنهم جالسون في بيوتهم؛ لأنه لا يحتاج إليهم أصلاً، ولكن بذكاء، وهو إضافة أجور هؤلاء السعوديين الذين فُرضوا عليه على سعر أي مشروع يتقدم له ويفوز به؛ ليكون ضمن تكاليف هذه المشاريع. فمن سيدفع أخيراً؟ (معلوم أنه أبو برجس) (وزارة المالية).
«أي من عديلك يا أبا برجس»، وكما يقال (كأنك يا أبا زيد ما غزيت).
هذا بالإضافة إلى السلبيات الأخرى التي لم تلقِ لها وزارة العمل بالاً في هذه السعودة غير الحقيقية، أو الوهمية، سمِّها كيفما شئت. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لها من السلبيات الكثير؛ إذ عندما يجد هذا الشاب المسعود وظيفياً، الذي ما زال شاباً ولم يدرك المسؤولية بعد في هذه السن، دخلاً شهرياً يكفيه لشحن جواله وتزويد مركبته بالوقود ووجبة في أحد المطاعم الخاصة بالوجبات السريعة - وما أكثرها - فسوف تكون سبباً في تكاسله وتخاذله في البحث الجاد عن عمل بمعنى الكلمة، أو تكملة مشواره التعليمي، وسوف يكون لديه فراغ ومصروف جيبي؛ وهذا قد يجره - لا قدر الله - إلى طريق الانحراف. وعندما يبلغ هذا الشاب سن النضج فسوف يشعر بأنه فات الفوت، وعلى رأي المثل الشعبي (لن ينفع الصوت). هذه إحدى السلبيات التي تكون السعودة بهذه الطريقة سبباً رئيسياً فيها، وغيرها سلبيات أكثر وأكثر.
أليس من حلول مدروسة وفعالة؟ وحسب رأيي البسيط المتواضع، فإن هناك حلولاً عدة، منها تشجيع الشركات الصناعية العالمية من أنحاء العالم، التي تربطنا بها علاقات اقتصادية، ودعوتها لتقوم بالاستثمار وإنشاء مصانعها بالمملكة، وإعطاؤها التسهيلات المغرية، كتقديم الأراضي بالمجان، ونحمد الله أن لدينا من الأراضي ما يكفي للاستثمار، والكهرباء المخفضة والتسهيلات الإدارية الأخرى، على أن تقوم هذه الشركات كل نهاية عام دراسي بابتعاث عدد من الطلبة من خريجي الثانوية العامة للدراسة بالخارج في العلوم التخصصية فقط، ويحدد العدد حسب نشاط الشركة وإمكاناتها المادية، على أن يُترك لها حرية الاختيار من الطلبة، وعند عودتهم متسلحين بسلاح العلم يترك كذلك الخيار للشركة المبتعثة من يقع اختيارها عليه؛ ليكون من ضمن العاملين لديها، ومن لم ترغب هذه الشركة في تعيينه فسوف يجد فرصته في سوق العمل.
أليس هناك حلول أنجح؟... دامت السعودة.