في مقال الدكتور عثمان بن صالح العامر ليوم الخميس الماضي 23 سبتمبر بعنوان «سماحة الشيخ ابن إبراهيم- رحمه الله- وما أشد الليلة عن البارحة) الذي تعرض فيه إلى حادثة قديمة يزيد عمرها على الخمسين عاماً حول قضية كتاب «أبو طالب مؤمن قريش» لمؤلفه الشيخ عبدالله بن الشيخ علي الخنيزي قاضي محكمة الأوقاف والمواريث «المحكمة الجعفرية» سابقاً بمدينة القطيف.
تناول الدكتور تلك الحادثة والقصة القديمة بالتفصيل في محاولة منه لإقرارحكم الإعدام التعزيري الصادر بحق نمر النمر مؤخراً.
المقال ككل بني على مقارنة غير موفقة بين قضيتين وحادثتين منفصلتين من قبل الدكتور عثمان وذلك للاختلاف الكبير والشاسع بينهما، فالأولى كانت بتهمة تأليف كتاب حول أبي طالب عم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والتي ليس لها رابط سياسي أو أمني لا من قريب ولا من بعيد. أما القضية الثانية فهي معروفة لدى الجميع وليس هنا المكان المناسب لتناولها والحديث عنها طالما أنها مازالت على طاولة القضاء الذي نحترمه ولا نتعدى على تخصصه ولا نفتئت عليه أو على ولي الأمر.
ابتدأ الدكتور مقدمة مقاله بعبارة «قبل أكثر من نصف قرن ألف رجل رافضي يدعى عبدالله الخنيزي»!، ومع أني وددت أن يترفع الدكتور الذي له باع طويل في التربية والتعليم عن هذا الوصف الطائفي الذميم الذي لا يتواءم مع منهج الوسطية الذي تنتهجه القيادة الحكيمة ولا مع مبادرات الحوار الوطني وحوار الأديان الذي تتبناه القيادة وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله.
أخبرني شخصياً أحد الإخوة الشيعة بالمملكة ممن كانوا يقيمون بالخارج أنهم وفي لقائهم بالملك فهد بن عبدالعزيز- رحمه الله- عام 1993م في قصره بجدة للحديث عن مطالبهم معه مباشرة، بأنهم لم يتوقعوا اللغة الأبوية الحانية التي كان يتحدث بها معهم وهم الذين توقعوا أن يكون اللقاء بروتوكولياً رسمياً جافاً، ولكن الملك كسر ذلك الحاجز وذاك التوقع وقابلهم في مكتبه الشخصي الصغير دون بشت أو مراسم وجلس بالقرب منهم محاوراً إياهم مستمعاً لمطالبهم وهمومهم، ووعدهم بوعود تم تنفيذها على الفور وضمن لهم ضمانات تم تحقيقها فيما بعد، كما أنه بالمقابل رفض أشياء وأمورا وأبدى ذلك صراحة وبرر لهم رفضه بالإقناع والحوار، ولعل من أهم ما ورد في ذلك اللقاء عبارة الملك- رحمه الله- عندما قال لهم: إن الدولة قوية وقادرة على سجن ومعاقبة أي شخص تريد ولكنها لا ترى أحياناً أن ذلك حل يخدم الوطن والمواطن.
هذا الفكر الإستراتيجي العالي الذي يُغلب المصالح العليا على الأهواء الفئوية أو الطائفية ذات الأفق الضيق والنظرة القصيرة المدى هو المنهج الذي انتهجه ملوك المملكة واحداً تلو آخر، وهناك العديد والكثير من الشواهد والأحداث التي تثبت هذا الأمر محفوظة في كتب السير الذاتية وفي صدور الرجال.
الشيخ عبدالله الخنيزي أحد رجالات الوطن الغيورين وليس بحاجة للتعريف وليس محتاجاً لأحد بأن يدافع أو يرد عنه قول قائل أو تهمة متهم أو منقصة منتقص، فهو محل ثقة لدى المجتمع والحكومة، وكان وما زال رغم كبر سنه وتقاعده عن القضاء يتابع أحوال الناس ويتواصل مع المسؤولين ناقلاً لهم مطالب أبناء بلده بكل صدق وصراحة، ذو وجه واحد مع الجميع غير قابل للتلون والتحول، فهو يلقى احتراماً وحفاوة من القيادة ومن الناس على السواء حتى من أولئك الذين لا يتفقون معه في توجهه السلمي للحوار مع الدولة في وقت الحاجة لذلك، وهناك العديد من القضايا التي لم تنشر على صفحات الجرائد ووسائل الإعلام ولم يعلم بها عامة الناس كان الشيخ بعد الله أحد العوامل الأساسية في حلها وانفراجها بتفاهمه مع القيادة.
أتمنى من الدكتور عثمان الرجوع والعودة إلى التاريخ قريبه وبعيده والعيش في هذا الزمن بكل معطياته ومكوناته، وأتمنى أن يتحسس الوضع بزاوية أكثر اتساعاً ليثري الساحة الوطنية بمحفزات اللحمة الوطنية والتآخي بين المواطنين برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، سائلاً الله أن يحفظ أمن الوطن واستقراره بقيادة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، والله ولي التوفيق.