إن من رحمة الله تعالى بعباده، أن فتح لهم أبواب الخير، وجعل لهم من العبادات ما يستمر ثوابها بعد الممات، ومن تلك الأبواب الخيرية باب الوقف، الذي يجري ثوابه للعبد في الدنيا وبعد الممات، وتأتيه الأجور العظيمة وهو في قبره، والوقف مع ما يحققه من الثواب لصاحبه، إلا أن له الأثر الكبير في مجالات واسعة من الخير، فهو يحقق التكافل الاجتماعي لذوي الواقفين والفقراء والمحتاجين، مع مساهمته الفعالة في نشر الدعوة إلى الله وبناء المساجد والعناية بها، ونشر العلم وتحفيظ القرآن، ولا يمكن حصر منافع الوقف، إذ هي واسعة شاملة، وإذا كان الوقف بهذه الأهمية فقد حثت الشريعة الإسلامية عليه وندبت إليه، واعتنت بكافة الجوانب والأحكام المتعلقة به، حيث جعلت أحكاما تنظم إنشاء الوقف وإثباته، تأسست على إثرها الإجراءات القضائية في إنشاء الوقف العقاري وإثباته، حيث تحدث نظام المرافعات الشرعية عن هذا الجانب، مما هو مطلوب من الواقف إحضاره عند رغبته في الوقف، وما هو مطلوب من القاضي اتخاذه من الإجراءات، منذ ورود طلب المنهي إلى حين إصدار صك الوقفية، وإن المطلع على إجراءات إثبات الوقف يجد أنها سهلة يسيرة، ولكنها من حيث الآثار المترتبة على إثبات الوقف وما يتبع ذلك من شروط الواقف وتحديد المعينات والنظارة، تحتاج إلى التؤدة والتروي حتى لا يوقع الواقف نفسه وغيره، في نزاعات وخلافات تذهب بمقصود الواقف، ويمكن اختصار إجراءات إثبات الوقف لدى المحكمة فيما يلى:
أولا: أن يتقدم المنهي أو وكيله بطلب إثبات الوقف إلى المحكمة المختصة وهي دوائر الإنهاءات في محاكم الأحوال الشخصية أو المحاكم العامة في المحافظات التي لا يوجد فيها محاكم مختصة، ولا يلزم أن تكون المحكمة التي يقع العقار في نطاقها.
ثانيا: أن يكون المنهي كامل الأهلية، جائز التصرف .
ثالثا:أن يتقدم المنهي إلى المحكمة المختصة بأصل صك العقار الذي يريد أن يوقفه، ويحيله القاضي بعد النظر فيه إلى الجهة التي أصدرت الصك سواء المحكمة أو كتابة العدل للتحقق من استكمال الإجراءاته الشرعية والنظامية وأنه صالح للإفراغ للوقفية فيما بعد.
رابعا: أن يحضر المنهي شاهدين عدلين يعرفان بالواقف ويشهدان بجميع ما يصدر منه من الشروط والنظارة وغير ذلك.
خامسا: يقوم القاضي بضبط ما يجريه في ضبط مستقل ويصدر بعد ذلك صكا بالوقفية.
و ليس الشأن في هذه الإجراءات، وإنما الشأن فيما نص عليه الواقف في الوقف، من الشروط والمصارف والنظارة وما يترتب عليها، ولهذا يجب أن يعلم الموقف، أنه بمجرد صدور الوقف على العقار، فإن هذا العقار قد خرج من ملكه وتصرفه، فلا يستطيع أن يبيعه أو يهبه، وأن الورثة لا يرثون هذا العقار بعد وفاة الموقف، وأن ما يحدده الواقف من شروط في الوقف بالنسبة لمصارف الريع أو تعيين الناظر فإنه لا يستطيع بعد ذلك التعديل فيها أو إلغاءها، ومسائل الوقف وأحكامه واضحة بينه، يعرفها العلماء وطلاب العلم والمختصين من المحامين، فينصح من أراد أن يوقف عقارا، أن يسترشد برأي المختصين من المستشارين الشرعيين المحامين وغيرهم، ليقدموا له المشورة فيما يناسبه في تحديد الوقف على الذرية أو جهة خيرية، ويطلعوه على المستجدات العصرية التي يصلح أن يكون لها الوقف، كل هذا حتى يكون الواقف على بينة من أمره، ويتحقق المقصود من الوقف، وينال المسلم أجره في حياته وبعد مماته.