استضافت مجلة إسلاميك فاينانس نيوز الماليزية الزميل محمد الخنيفر لمناقشة ما تطرحه صحيفة «الجزيرة» عبر صفحتها المتخصصة حول المصرفية الإسلامية، حيث أكد الخنيفر وجود ما وصفه بـ»فجوات» في النظام الحالي لعمل فقهاء المصارف والذي نجم عنه تباين في الفُتيا.
وأشار إلى أن التشوهات في النظام الحالي (يقصد النظام المالي الإسلامي) أصبحت «واضحة لأولئك الذين يعملون بداخله» ومشدداً في نفس الوقت على أن هناك «حاجة ماسة لإصلاح الصناعة واستعادة مصداقية ما يمكن أن يطلق عليه «منتج إسلامي».
وكان الخنيفر، الذي يعمل حالياً لصالح مؤسسة دولية متعددة الأطراف ويشرف على صفحة المصرفية الإسلامية بصحيفة «الجزيرة»، قد ظهر بصحبة فقيهين مرموقين بإحدى وسائل الإعلام الماليزية.
وأوضح في مقابلته مع مجلة «إسلاميك فاينانس نيوز» أن فقهاء المصارف «يمرون بضغوطات كبيرة من قبل العامة وذلك من أجل تمحيص كل صفقة وكل هذه التوجهات تقودنا للطريق الصحيح».
وحذر في مقابلته التي لا تخلو من الصراحة مع الإعلام الماليزي: «عندما نشاهد فقيهاً ذائع الصيت يقوم بإجازة الصكوك المقترحة لبنك جولدمان ساكس الأمريكي، ومن ثم يعلن نفس الفقيه في مجلس شرعي آخر أن هذه الصكوك محرمة، حينها تعرف أن هناك خطباً ما في صناعتنا.. إن هذا لهو خير مثال على تضارب المصالح وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على سمعة الفقهاء.. مما يؤدي إلى تبعيات سلبية على الجهات التي ترغب بإصدار الصكوك».
تضارب المصالح
ويقصد بتضارب المصالح عدما يجلس الفقيه المصرفي الواحد مع عدة هيئات شرعية، مما قد يؤدي إلى تسريب بعض المعلومات الخاصة بمنتجات أو حتى ظهور فتاوى متضاربة (على نفس القضية) من نفس الفقيه.
يقول الفقيه الماليزي محمد أكرم لادن، المدير التنفيذي للأكاديمية العالمية للبحوث الشرعية (ISRA) إن هناك مشكلة في الحوكمة وذلك بسبب توسع الصناعة، ويضيف: هل بإمكاني أن أحصل على أسهم لدى مؤسسة مصرفية أقدم الاستشارات الشرعية لها؟.. هل هناك تضارب مصالح هنا؟.. وإذا كنت من ضمن الهيئة الشرعية ووجب علي أن أجيز بعض الهياكل (لمنتجات مصرفية) وذلك لصالح مؤسسة مالية أملك أسهماً بها، فهل هذا يعني أنه سيكون لدي تحيز إيجابي معها؟
وذهب أكرم إلى ما تطرق إليه الخنيفر حول التباين في الفتيا بقوله: «من شأن ذلك التحيز أن يجعلنا نتساءل عن آثار وجود الفقهاء بعدة مجالس شرعية وهذا ما ينتج عنه فتاوى متضاربة أو متحيزة وفقاً لمصالح الفقهاء وليس الصناعة».
وهنا يقول حبيب أحمد، مدير كرسي الشارقة للمالية الإسلامية بجامعة دورهام، إن عدم توحيد المعايير الشرعية قد ساهم بإحداث ما يُعرف بمخاطر على السمعة.. واستشهد أحمد بما حدث مع صكوك جولدمان، لم تصدر حتى الآن، حينما قام مجموعة من الفقهاء بإجازة الصكوك ومجموعه أخرى رأوا أنها محرمة.
يقول لمجلة «آي اف ال آر» كرايج نيثروكت، رئيس المالية الإسلامية لدى لاثام آند واتكينز، إن هناك حاجة لتجنب تضارب المصالح بين الفقهاء والمجلس الشرعي والاهتمامات التجارية للمؤسسات التي يقدمون النصح لها. وتتساءل وكالة أنباء عالمية عن التناقض في الفتاوى الذي يجري بين الفقهاء، ولا سيما في بعض المنتجات.. تقول وكالة رويترز: وبسبب أن المؤسسات المالية تدفع (مقابلاً مالياً) للمنتجات (التي تتم إجازتها) فإن الصناعة تبقى معرضة للاتهامات المتعلقة بتضارب المصالح.
الفتاوى المتضاربة
ولا يختلف العديد من المراقبين في أن الصناعة الإسلامية بحاجة ماسة لوجود إطار عام خاص بتوحيد المعايير التنظيمية.. يشرح الخنيفر ذلك بقوله: من دون شك فهناك تشوهات في النظام الحالي (يقصد النظام المالي الإسلامي) وهي واضحة لأولئك الذين يعملون بداخله.. وتابع في مقابلته الإعلامية: هناك حاجة ماسة لإصلاح الصناعة واستعادة مصداقية ما يمكن أن يطلق عليه «منتج إسلامي».
معلوم أن الخنيفر هو مراقب ومدقق شرعي معتمد من هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (AAOIFI)، وهي هيئة تنظيمية ذات مصداقية عالية في الصناعة.. ومن نفس تلك الهيئة خرج الفقيه العالمي الشهير محمد تقي عثماني الذي قال في 2007 إن 85% من الصكوك الصادرة غير ملتزمة بالأحكام الشرعية وذلك بسبب وجود اتفاقية إعادة الشراء لتسهم تلك التصريحات في إشعال شرارة الإصلاح الأولى في هذه الصناعة الحديثة العهد.
وترى مجلة «إسلاميك فاينانس نيوز» أن مسألة المطالبة بالإصلاح لم تكن بذات الأهمية الكبرى في الماضي، وذلك نظراً لصغر حجم الصناعة في ذلك الحين، إلا أن النمو السريع لصناعة المال الإسلامية (والذي تواكب مع النقص الحاد في أعداد الفقهاء) ساهم في إيجاد مشاكل والتي بدورها جعلت من أمر «المطالبة بالإصلاح» قضية في غاية الأهمية.
وفي هذا الجانب يقول الفقيه الماليزي محمد أكرم إن هناك أمثلة على فقهاء يقومون بتقديم فتاوى متضاربة على نفس القضية الشرعية.. هذا التصرف ليس شيئاً مُشتركاً (بين الفقهاء) ولكنني أُشدد أنه يتوجب علينا أن ننظر في هذه القضية قبل أن تصبح مشكلة كبرى.. وأضاف: أن الشريعة هي أساس وعمدة صناعة المال الإسلامية وعليه فنحن لا نرغب أن يتم التشكيك بمدى مصداقية الفتوى الصادرة من الهيئات الشرعية، وذلك نظراً لأن ذلك سيؤثر على نزاهة الصناعة ككل.
المطالبة بالتغيير
وكنتيجة لذلك أصبحت المطالب بظهور إطار عام للحوكمة تنادي بصوت مرتفع.. يقول الخنيفر، الذي يكتب بصفة أسبوعية بصحيفة الجزيرة، إن بعض الفقهاء يطالبون بإطار عام نشط خاص بحوكمة أنشطة الفقهاء وذلك من أجل تقدم الصناعة».. وأضاف: وعلى الطرف الآخر فإن مرتبي إصدارات الصكوك بدأوا بأخذ مخاطر السمعة بعين الاعتبار وذلك قبل قبول أي تفويض من مصرف تقليدي، ولا سيما عندما يتعلق الأمر باستخدام الأموال التي يتم جمعها في عملية الإصدار.
وساهم عدم وجود إطار عام لتوحيد المعايير بين الفقهاء في إحداث «ربكة» وذلك بسبب غياب الإرشادات المهنية ذات الجانب الأخلاقي.. وهنا يقول عبد الرحيم عبد الرحمن، عضو الهيئة الشرعية في بنك «اتش إس بي سي أمانة» (ماليزيا): ساهم غياب المعايير العملية المتعلقة بما يكشفه المصرفيون لمجلس الشريعة في حدوث ممارسات متنوعة بين المؤسسات المالية الإسلامية.