لماذا حين يتذرع المسؤول الغربي بذريعة « المحافظة على الأمن» يجد من المجتمع كل تعاون وتقبل سواء كان هذا الأمن داخل الحدود أو خارجها , بينما حين يتكلم المسؤول الشرقي عن «المحافظة على الأمن» يفهم منه الرغبة في القمع والتشديد على المجموع الداخلي؟
هل لأن الغرب استطاع أن يفرض في بوتقة التعددية ما يجب أن يلتزم به كل فرد من أي فئة ليحصل على حقوق الانتماء؟ وأولها الحماية من تجاوزات الآخر الذي يعي اختلاف خصوصيته ورغباته رغم انتمائه إلى نفس البوتقة؟.
أم لأن الشرق لا يستطيع تقبل فكرة اختلاف تفاصيل الفئات ومرئياتها حول ذواتها وبالتالي لا يستطيع أن يضمن تعايشها بسلام إلا بممارسة التشدد؟
هل موروث المجتمعات العتيقة التي بني تكوينها منذ القدم على الانتماء والولاء لجذور مشتركة من وحدة الإثنيات والملامح واللون واللغة وتفاصيل المعتقدة وما يسبب هشاشتها؟ أم قوتها؟ خاصة اليوم في زمن الحدود السياسية المستجدة فوق خارطة تجمع إثنيات مختلفة؟
هل سيبقى الأكراد أو الأرمن راضين بالتشرذم بين تركيا وإيران والعراق وسوريا ولبنان لو ضعفت أي سلطة رسمية تكبل انتماءها إلى مجموع كردي أو أرمني حميم؟
المجتمعات التي تعبر عن معتقدات مجتمعية لا تتطابق مع ما اتفق عليه الغير من حقوق الإنسان ولا حتى حقوق المواطنة, هل يمكن تعديل مواقفها وآرائها دون ممارسة فرض القانون الجديد بالقوة لحماية الكيان الموحد المستجد ومستقبله كما تفعل الصين في فرض قانون الطفل الواحد؟ ألا يدفع ذلك إلى ممارسة الممنوع في الخفاء - كتزويج القاصرات في البلاد العربية -؟
كيف إذن تحمي الدول نفسها من الهشاشة التي تقود إلى التصدع حالما تزول يد القوة الأمنية الحامية للكيان الجديد حيث الانتماء المستجد لهوية سياسية واحدة وليس لإثنية أو قبلية سابقة؟
هل المجتمعات المستجدة الهوية سياسيا في المجتمع الدولي - حين ترفض التعددية غير المعتادة في زمن الأسلاف- هي من يجعل التعايش امرا خلافيا تطلبه الدولة والفئات المستضعفة في الكيان الجديد ويرفضه الأغلبية السكانية؟
كان انتشار الإسلام حركة عولمية عبرت القارات وكسرت الانتماءات لتجمع الجميع في حضارة قوية تلتف حول انتماء أعلى يشمل الجميع، فما بالنا لا نستطيع التعايش في مساحات أصغر بكثير؟
في الشرق -أو كل جهة أخرى لا يستوعب فيها افراد المجتمع أو المسؤول أن البقاء الحضاري يضمنه فقط ممارسة ثقافة الانتماء الجماعي مع تحقيق العدل والعدالة وفرض المسؤولية المؤسساتية والفردية , وتقبل الفروقات الفئوية والفردية واحترام حقوق الإنسان وتطبيقها, وحقوق المواطنة للجميع وحق الاختلاف في الرأي والخصوصيات إلا ما يضر المجموع - علاقة المجتمع والسلطة والفرد بالإعلام تختلف جذريا.
وهذا يقودنا إلى خطورة ضمان المحافظة على الأمن بكل أشكاله.
الأمن العام ؛ الذي يضمن لكل مواطن حمايته من تجاوزات أو اعتداء مواطن آخر من الأقربين أو الأبعدين يعطي نفسه حق التعدي على آخر لأي سبب. الشعور بعدم الأمن يخترق درع الانتماء ويفتت العلاقة بين الوطن والمواطن ويحول أبناء الوطن إلى احتمالات خلايا سرطانية.
والأمن الفكري ؛ مناهج التعليم التي تربي في الصغار قدرة التفكير والتمييز بين المنطقي واللا منطقي وتصبح درعا يحمي الشباب من المترصدين لاستغلال فورة عنفوانهم وإحباطاتهم . الدرع الذي يحمي المواطن في الداخل والخارج من تلاعب ذوي المصالح السياسية الخاصة وأدلجته وتسخيره ليعمل جاسوسا ضد مصالح وطنه كما حدث في جنوب لبنان, أو إرهابيا مستعدا لتفجير نفسه في سبيل شعارات براقة الوعود كما حدث عندنا.
والأمن المعلوماتي؛ الذي يستقيه المسؤول وصانع القرار من مصادر خارجية يثق بها وبإمكانها أن تغدر به وتقدم له معلومات غير صحيحة تساعدها في تسيير قرارته لصالحها . كما حدث مع صدام حسين . فوقع في فخ حرب الخليج حتى أودوا به ولهم في ذلك أغراض غير تحرير العراقيين والجيران من جوره الشخصي والمؤسساتي . هنا يتطلب أن يكون جهاز الاستخبارات قادرا على تمحيص أي معلومة تأتيه من مصدر خارجي والتحقق من مصداقيتها رغم ما تأتي به من إثباتات.
حين تعطى المصداقية إلى مصدر خارجي لا يخلو من تفضيلات مصالحه الخاصة , وتختفي القدرة على الثقة بالمصادر الداخلية. نواجه جميعا تداعيات السؤال المصيري : كيف نحمي الوطن والمواطن من غش المصادر الخارجية في ما يتعلق بنا وبمصالحنا وبأمننا؟ لنحمي اللحمة الوطنية من التصدع علينا أن نبني الثقة بأن الوطن هو نحن وليس فقط إطاراً يجمعنا.