أشاد «ديفيد كوهين»، وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة الإرهاب والاستخبارات المالية، بالتعاون مع السلطات السعودية والإماراتية في مكافحة تمويل تنظيم «داعش»، وتجفيف منابع تمويل الإرهاب، وقطع خطوطه الرئيسة. أتت إشادة «كوهين» بعد اتهام نائب الرئيس الأميركي، «جو بايدن»، للسعودية والإمارات بدعم المجموعات المتشددة في سورية، وهي الاتهامات التي تراجع عنها سريعا، وألحقها باعتذارات رسمية للبلدين.
انتقادات «جو بايدن» طالت السعودية والإمارات المنخرطتين كليا في مكافحة تمويل الإرهاب، وتجاوزت عن قصد دول المنطقة الداعمة له، و التي يمكن أن تكون سببا رئيسا في تفاقم الوضع في سوريا، والعراق، وليبيا وغالبية الدول العربية الحاضنة للجماعات المتطرفة.
لا يمكن للحكومة الأميركية الخلط بين الدول الداعمة للإرهاب، والمنخرطة في مكافحته. فكفاءتها الرقابية، وسيطرتها على شبكات التقاص الدولية، إضافة إلى كفاءتها الاستخباراتية الفائقة قادرة على خفض نسبة الخطأ في البيانات الاستخباراتية إلى الصفر.
تتعامل السلطات الأميركية مع برامج مكافحة تمويل الإرهاب وفق حسابات خاصة وأهداف إستراتيجية تتجاوز في مضمونها هدف قطع التمويل وكشف مصادره، وفضح الدول الداعمة له، إلى توريط الدول المستهدفة بمخططاتها الاستخباراتية، وإن كانت من أكثر الفاعلين في مكافحته. يبدو أن الساسة الأميركيين وجدوا ضالتهم في ملف الإرهاب الذي يحقق لهم أهدافا إستراتيجية يصعب تحقيقها بعيداً عنه.
أزعم أن السعودية والإمارات من أكثر الدولة الداعمة لبرامج مكافحة الإرهاب، وقطع مصادر التمويل عنه، ومشاركتهما في العمليات العسكرية الموجهة ضد جماعات الإرهاب في سوريا خير شاهد. إشادة «ديفيد كوهين»، المسؤول الأول عن عمليات مكافحة تمويل الإرهاب والملقب بـ «باتمان الأموال»، لم تصدر من فراغ، بل بنيت على معلومات دقيقة لا تحتمل الخطأ.
السيد «كوهين» انتقد كلاً من قطر والكويت بأنهما لا تقومان بالدور المنوط بهما لمنع أنشطة تمويل تنظيم «داعش»، وقال إنهما «ما زالا يفسحان المجال لممولين فُرضت عليهم عقوبات من قبل الأمم المتحدة وواشنطن، وأن أحد هؤلاء الممولين يستخدم حسابه على موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي لجذب المانحين الراغبين بالتبرع للمتطرفين، بما في ذلك من داخل السعودية».
لم تكن اتهامات «كوهين» لقطر الأولى من نوعها، فقد سبقتها انتقادات متعددة ومنها اتهامات وزير المساعدة الإنمائية الألماني «غيرد مولر» الصريحة والمباشرة. الصحف البريطانية باتت أكثر حساسية تجاه علاقة قطر (المزعومة) في تمويل جماعات الإرهاب في المنطقة. ما بين إشادة «ديفيد كوهين» بدور السعودية والإمارات في مكافحة الإرهاب، واتهامات «جو بايدن» لهما، الكثير من المعلومات المهمة التي قد تفضح بعض التحركات الاستخباراتية في المنطقة، ومصادر التمويل المالي المتدفق على «داعش» والتنظيمات المتطرفة الأخرى.
هناك من يجتهد لإلصاق تهمة تمويل الإرهاب بالسعودية والإمارات، من خلال التصريحات الرسمية، و الدراسات الموجهة، والإعلام، ومراكز الضغط. تشير بعض المعلومات الموثقة إلى تورط دولة خليجية في حشد الرأي العام الغربي ضد السعودية والإمارات، ومحاولة إلصاق تهمة الإرهاب بهما، من خلال مساهمتها المباشرة في تمويل مراكز البحث المشبوهة والموجهة، والإنفاق على الإعلام والعملاء المأجورين، وتسيير مظاهرات شعبية مناوئة، والدفع بها للتظاهر أمام سفارتيهما حول العالم.
تمويل الإرهاب لم يعد سرا يصعب كشفه، بل بات أكثر وضوحا للعامة قبل المختصين، والأجهزة الاستخباراتية، إلا أن غض الطرف عنه لأسباب إستراتيجية هو ما ساعد على استمراره وتفاقمه.
بعض دول الخليج لا تبدي اهتماماً يذكر بقوانين وأنظمة مكافحة تمويل الإرهاب، ولا تضع اعتباراً لأمن المنطقة، وسلامة شعوبها، وأحسب أنها لم تستوعب بعد حجم الأخطار التي يمكن أن تلحق بها مستقبلاً، وبدول الخليج الأخرى، جراء تهاونها وانخراطها في عمليات عدوانية مضادة لدول الخليج الأخرى. المواجهة الشفافة والحاسمة والحازمة هو ما ينقص دول المجلس في تعاملها مع من يسعى جاهداً لزعزعة أمنها، والإضرار بمصالحها، والإساءة لسمعتها الدولية.