لا أبيع الكلام، ولا أرسم صوراً رمادية، أو سوداوية غامضة، إذا قلت إن بلادنا تعاني من واقع مائي شحيح خطير وتراجعاً وقصوراً في مصادره، كبلد صحراوي لا موارد مائية فيه غير الآبار الإرتوازية، إن التغيرات المناخية، وظاهرة الاحتباس الحراري،وقلة الأمطار، ووقوعها ضمن المناخ الجاف، ينعكس سلباً على هذا المورد الهام،
إن الهدر المائي وعبثية استنزافه واستعماله غير المقنن يفاقم المشكلة، وأن عدم اتخاذ الإجراءات الصارمة للحد من قضية الاعتداءات على المياه ومعالجتها، وغض النظر عن المخالفين الذين يهدرون المياه ليلاً ونهاراً بسبب أو من دون سبب، يعد تفريطاً بالأمانة وجريمة بحق الوطن ومستقبله، ويقود إلى واقع مؤلم لا نريده ولا نبتغيه، إن الدولة استشرفت هذا الخطر الداهم منذ أمد طويل ولجأت إلى استخدام التقنية المتقدمة، واستثمرت المليارات من الريالات في تحلية مياه البحر المكلفة لتكون كل قطرة فيه عذبة نقية صالحة للشرب والاستعمال، وفق أنابيب وقنوات ري تمتد لآلاف الكيلو مترات، وأوصلت شبكات التزويد المائي إلى نسب عالية من السكان، وأنشأت السدود، وحفرت الآبار الجوفية، لقد جاء هذا التوجه نتيجة نضوب بعض الآبار، وتغير جودة المياه فيها، بالإضافة إلى النمو السكاني والتمدد الجغرافي للمدن والقرى والهجر والأرياف والمتطلبات الصناعية والزراعية، وعلى الرغم من كل المشاريع المنفذة والتشريعات الموضوعة وإجراءات الحماية المتبعة، يبقى شح المصادر المائية هو العائق والتحدي الأساس والخطر الداهم، أن هذا التحدي وخطورة الشح يجب أن يجعل المختصين تحت ضغط شديد وقلق وعمل دائم في كيفية المحافظة على هذا المورد الهام والخطير، وفي كيفية الحد من هذا الهدر العبثي الحاصل، وكيفية إصدار التشريعات والجزاءات الرادعة للمخالفين، حفاظاً على حقوق هذا الجيل من الماء والأجيال اللاحقة، لهذا يجب علينا كمواطنيين ومقيمين أن نكون شركاء مع الدولة في المحافظة على المياه وعدم هدرها وتبذيرها والإسراف فيها، وذلك بتغيير السلوك الاستهلاكي، وترشيد الاستخدام، أن هذا الالتزام الأخلاقي يفرض علينا تحمل مسؤوليته كشركاء، وأصحاب هم واحد، لقد أصبح الأمر ملحاً يتطلب تغيير سياسات المياه الحالية إلى وضع تشريعات وقوانين وسياسات وجزاءات جديدة أكثر من محاولة إيجاد واستغلال مصادر وبدائل جديدة، إن وضع أسعار محددة وعادلة ورادعة سيؤدي حتماً إلى توفير جزء كبير من الكميات المهدورة، وسيؤدي أيضاً إلى إعادة النظر لدى المواطن والمقيم في رفع عملية الترشيد والتقنين الذاتي، إن العمل في رفع القيمة الاستهلاكية مهمة يجب أن تنفذ، بغض النظر عن ردود الأفعال إن جاءت، لأن الالتزام الأخلاقي والوطني والمستقبلي يفرض علينا جميعاً مختصين ومواطنين ومقيمين التحول من هادرين للمياه وعابثين بها، إى محافظين عليها بشتى الطرق والسبل والأدوات، وأن نجعل الحفاظ على الماء من أولويات أهدافنا وأمننا الوطني، إن تحقيق الأمن المائي والمحافظة عليه، يجب أن يكون من أولوياتنا الملحة، لهذا أطالب بإنشاء -هيئة وطنية عليا للمياه- ، تهدف وتعمل على إنشاء المخزون الإستراتيجي للماء في كل المدن والقرى والهجر والأرياف، والمحافظة عليه ورفع الوعي الاستخدامي له، وكيفية حمايته من الهدر والعبث، أن علينا جميعاً ضرورة أن نهتم بهذه المشكلة قبل أن تنفجر في وجوهنا بغتة ودون أن ندري، وكلنا يعلم بأن لا حياة ولا أمن ولا رخاء ولا تطور ولا استقرار ولا سلام بلا ماء.