عامٌ يُقبِل وآخر يرحل.. صيفٌ يبتسمُ مودعاً وشتاءٌ يُطِّل علينا، ليال معتمة تنظر وعيناها مليئة بالدموع بين بقايا عتمه وبريق نور تحاول التمسك بذكريات مضت وتتوسل إليها أن تُعيد لها ذكرى تُحيي الابتسامة على مُحياها..
نفارق أحبة منهم من تضمهم القبور ومنهم من أبعدتهم الظروف، أشخاص فارقوا الحياة دون استئذان، ومنهم من فارق الحياة وروحه لا تزال حية..
أيها الليل الطويل: هل ما يحدث حولي حقيقة أرجوك! إن كان حُلماً فأيقظني
أرجوك فليرحل هذا الكابوس من أمام عيني.
فلترحل تلك الطفلة التي في عالمي إلى عالمها الذي تحلم به، كأني أراها وبيدها وردة تهديها للعالم بإحدى يديها وتخبئ الأخرى مجروحه تحت ثيابها الممزقة.
عيناها مليئتان بالدموع تبكيان ومن بكائهما بكت الأشجار والأحجار وقطرات الندى سألتها عن همها؟
فغنت بصوت حزين دون تلحين خرجتُ وفتحتِ الدنيا ذراعيها لي، كبُرتُ وكَبُرت معي أحلامي لم يخطر ببالي يوماً أن البراءة ستختفي، لم أعد أفرق بيني وبين لعبتي، قتلوا براءتي، قتلوا طفولتي قضوا على ابتسامتي حسدوني ضحكتي.
سرقوا كل شيء مني، أحرقوا كتابي وهدموا منزلي، أهم بشر؟! لماذا يتلذذون بهتك براءتي؟
هل طلب الحرية ذنب؟!
من قتل البراءة فينا؟! أنحن قتلناها بسكين؟
أم الزمان قتلها؟
لكن سأشكو من اعتقل فرحتي واستلذ بدموعي لربي في سجودي..
أفقتُ من حُلُمي على زاوية أخرى من الدنيا، فيها من يترنح على شظايا الجوع يتقاسمون خبز الموت ثم يودعون، وآخر لا يجد ما يداوي به علته، ويتيم يردد من قتل آمالي وأحلامي؟
أحيانا تبدو قلوب الناس وكأنها أشباح، ويغدو الحلم طيفاً عاجزاً بين الذل والمهانة، أنين الناس يقتحم السكون ونحن في سُباتنا غارقون.
هل يستطيع الإنسان التحرر عن تاريخه وحوله الدنيا تغرق والدموع؟!
وبين الحزن والذكرى يُدقُّ ناقوس الحزن المرير والاشتياق الضرير إلى التاريخ المجيد أيام العزة والصمود.
يا ليته يعود !!
لماذا نصمت؟!
لأن نعلمَ إن الجرح أكبر من الكلام الذي يُقال؟ أم لأن الخيبة التي تسكن دواخِلنا أكبر من كل لغات العالم.
أم لأن الحديث يطرق قلوباً صُماً يعود منها بلا فائدة.. أما آن الأوان أن نكسر حاجز الصمت يكاد ضجيجه يطحن عظامه؟
ألسنا سبباً في قتل تلك البراءة بصمتنا؟
تلك البراءة التي قُتلت.. في قلبِ كل مسلمٍ تخلى عن قيمه وذاته لأجل عدوه..
فليعلم القتلة أن جرائمهم لن تمر بسلامٍ كسابقها وستشتعل الأرض ناراً تحرق قلوباً مليئة بالتعصب ونشر الحقد والتحريض غارقة بالجهل..
هاهو عامنا هذا أزف على الرحيل أخذ يقوض خيامه، ويشد رحاله ليرحل بحلوه ومُّره فالعاقل من استعد واتعظ.. فلنصنع ذكرى حسنة حتى لا نُحاسبُ يوماً لماذا قتلنا؟.