لدينا ظاهرة قد لا يوجد لها مثيل في كل بلاد الدنيا، وتظهر تجلياتها بكل وضوح، وتتمثل في «التزكية» لشخص ما، وهذا أمر لا بأس به، بل ومطلوب في كل بلاد الدنيا. هذا، ولكن الأمر يختلف هنا، فهذه التزكية تتمدد، دون أن تشيخ أو تهرم، فعندما تتم تزكية انسان ما، فإن خبر هذه التزكية يتمدد من شخص لآخر، وتتناقله الركبان، ويكتسب صفة القطعية، مهما تغير هذا الإنسان «المزكى»، ومهما تقلصت قدراته، لدرجة أنك تشعر أحيانا أن «المزكى» ذاته يستغرب حجم الهالة التي تضفى عليه، والإعجاب الذي يلاقيه، حتى ممن لا يعرفونه حق المعرفة، وربما بلغ الأمر، في بعض الحالات، أنه هو ذاته يقول لمن حوله بأنه ليس الإنسان الذي أضفيت عليه تلك الصفات المبالغ فيها، ولكن هيهات، فالتزكية هنا لا تسقط بالتقادم، ولا يتم تمحيصها مع مرور الوقت، فهي قد منحت، وأخذت صفة الديمومة إلى ما لا نهاية!.
تتم معاملة الإنسان «المزكى» معاملة استثنائية، نظير قدراته الخارقة، والثقة المطلقة به، وتكون من نتائج ذلك أن تسند إليه مهام كبرى، وكثيرة، لا يستطيع الإنسان «العبقري فوق العادة» أن يقوم بها، ناهيك عن الإنسان العادي، ومع مرور الوقت تزداد المهام، فتجد أن أحدهم قد يدير أكثر من مؤسسة داخل البلاد، وحتى العابرة للقارات، في وقت واحد، ويستحيل، فيزيائيا وكيميائيا، وتحت أي ظرف، أن يكون « المزكى» قادرا على القيام بكل المهام الموكلة إليه على الوجه المطلوب، ومع ذلك فالمهام تزداد، والثقة تكبر، والغريب أنك تسمع لاحقا من يشتكي من عدم الإنجاز، ومن القصور في أداء المهام، مع أن هذا «المشتكي» هو جزء من مشكلة « التزكية بالتمدد»، والتي تفرز « العباقرة» المزيفين، والذين يقومون بعشرات المهام الجسيمة في وقت واحد، والمؤلم أن هذه الظاهرة بدأت تكبر مثل كرة الثلج، ويتحدث عنها الجميع.
لكل إنسان قدرات معينة، وتخصص محدد، وتحميل الإنسان فوق طاقته يلحق الضرر بالمهام ذاتها، وبالنتائج المرجوة منها، ومن الملاحظ أن الإنسان « المزكى» بالتمدد يعلم أنه لا يستطيع القيام بالمهام الجسيمة الموكلة إليه، وبالتالي فإنه يختار بعضا من صحبه، ليقوموا بالعمل نيابة عنه، ويكتفي هو بأن يكون مشرفا عاما «نائما سائحا»، تقدم له الأعمال الجاهزة، ليقطف كرزة جهد الآخرين من جهة، وليتباهي من جهة أخرى، وطالما أنه هو الذي يقطف «الثمرة» في النهاية، فإن « التزكية له بالتمدد» تكبر، بل وتتوارثها الأجيال، فالله المستعان.