عانت القضية الفلسطينية ولا تزال تعاني من استغلالها وتوظيفها كقضية عادلة ومركزية تهم كل العرب وجميع المسلمين لخدمة أجندة الأنظمة والأحزاب والجماعات السياسية والطائفية: فكل من يريد تحقيق أهداف فساد ومصالح ذاتية يرفع شعار القضية الفلسطينية ويرتدي رداءها، حتى أصبحت شعاراً للجميع يرفعه للاستفادة ويوظِّفه لمصالحه والمتضرر الأكبر الفلسطينيين أنفسهم، وللأسف الشديد سمح الفلسطينيون أنفسهم باستغلالهم من الآخرين وقبلوا العمل لصالح الأنظمة العربية وبعض الإسلامية وفتحوا (دكاكين) للأحزاب والجماعات السياسية الطائفية وحتى العرقية، وقبل الفلسطينيون في حقب زمنية العمل كواجهة حتى لليابانيين والألمان والكوريين بحجة وحدة الكفاح العالمي المشترك ضد الإمبريالية، فضلاً عن فتح جبهات وفصائل عبارة عن ممثليات لأنظمة عربية وإسلامية معينة، فجبهة التحرير العربية كانت ممثلة لنظام البعث في العراق، والصاعقة ممثلة لنظام البعث في سوريا والجبهة الشعبية لنظام اليمن الجنوبي والآن حركة حماس ممثلة لأنظمة الإسلام السياسي.
هذا التشرذم والتبعية السياسية أضر القضية الفلسطينية كثيراً، وأضر استحقاقات الشعب الفلسطيني، حيث ربط تنفيذ تلك الاستحقاقات بمقايضات وللتفاهمات التي تجرى بين القوى الدولية ونظيراتها الإقليمية وأدى إلى تقسيم الشعب الفلسطيني فعلياً، فالفلسطينيون في مدن وقرى الضفة الغربية منفصلون عن أشقائهم في قطاع غزة وكلتا المنطقتين تحكمان من فصيلين متعارضين رغم التوافق والاتفاق الفلسطيني الأخير والذي يزيد الأمر خطورة هو استغلال القوى الإقليمية للخلافات الفلسطينية وتجنيد قوى فلسطينية متطرفة لتنفيذ مخططات وأجندة أنظمة إقليمية معينة في مواجهتها لأنظمة وجهات إقليمية أخرى مضادة كل الذي نشهده الآن بين مصر وقطاع غزة، إذ يتهم المسؤولون العسكريون والاستخباريون في مصر حركة حماس التي تدير الأوضاع في قطاع غزة بتحويل القطاع إلى حاضن للجماعات التي تشن عمليات إرهابية ضد مصر والتي آخرها عملية تفجير مركز حراسة القواديس الذي تسبب في مقتل وجرح 58 عسكرياً مصرياً وهو ما دفع الحكومة المصرية إلى إغلاق معبر رفح والذي حتماً سيتضرر جراؤه الفلسطينيون الغزاويون غير المرتبطين بالتنظيمات السياسية، فبعد حصار قطاع غزة والإجراءات القمعية الإسرائيلية المتخذة ضد قطاع غزة كان القطاع يعتمد اعتماداً كلياً على مصر في وصول المؤن الغذائية والدوائية وإرسال المرضى للعلاج في المستشفيات المصرية واستعمال معبر رفح كعبور للخارج.. كل هذا سيحرم منه الغزاويون والسبب هو تأكد الحكومة المصرية من استغلال قوى إقليمية وحتى دولية قطاع غزة كملاذ آمن للإرهابيين الذين ينشطون ضد مصر، وهو ما يتطلب من كل حريص على القضية الفلسطينية أن يطالب الجميع برفع أيديهم ووصايتهم عن الفلسطينيين وأن يتوقفوا عن استغلال هذه القضية العادلة ونزع رداء القضية الذي يرتدونه لتنفيذ خططهم ومآربهم الدنيئة.