ليس لهذا العنوان علاقة بفلم الكوميدي عادل إمام الذي بدل جلده ولبس ثياباً تفيض عن مقاسه كثيراً، بل هو انطباعات وخواطر عن بلد الفايكنج وواحد من دول اسكندنافيا الأكثر استقراراً ومدنية ومن بين دول الوفر الاقتصادي والرفاه في العالم.
هذا البلد الذي صنف كأكثر المجتمعات سعادة بالنظر إلى نظم التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، برغم أن الشعب الدنمركي يدفع ضرائب عالية لحكومته إلا أنهم راضون لما يجدونه في المقابل من خدمات ورعاية وبنية تحتية متقدمة.
ونعلم جميعاً أن داء التطرف وصل حتى إلى أوروبا ومن ضمنها الدنمرك، لكن العجيب هو أسلوب التعاطي لحكومة الدنمرك مع أولئك العائدين من جبهات القتال في سوريا وبعض الدول في منطقتنا العربية. وهو أسلوب الترويض إن صح التعبير، أو قل الاحتواء بدل السجن والمحاكمات والمراقبة كما هو في دول أوروبا وأمريكا وغيرها. فالحكومة الدنمركية استقبلت أولئك العائدين إليها بعروض التعليم الجامعي والعمل والرعاية الاجتماعية، بل والمساعدة النفسية من خلال جلسات الرعاية والعلاج النفسي من قبل أطباء مختصين. وبالطبع فإن هذا الأسلوب ما هو إلا امتداد طبيعي للبيئة والثقافة الدنمركية عموماً وليست طارئة، وإن كان أيضاً حرصاً وتحوطاً من اندلاع أعمال متطرفة أو ردود أفعال ممن هم ساخطون لما يجري للشعب السوري المكلوم وغيرهم من أهل السنة في العراق. فالتجربة الدنمركية هذه وقاية غاية في التفرد والرقي بدل العلاج المتأخر الذي يكلف المال والجهد والأرواح.
إن في الدول الأسكندنافية تجارب تنموية وانجازات حضارية يمكن للمملكة ودول الخليج الإفادة منها كما واستغلال ميزة الهدوء في النفسية الاسكندنافية لإقامة أيام ثقافية واقتصادية وتعليمية هناك بغرض الإفادة والاستفادة، فالبشر تبادل منافع وهناك دول تواصلنا معها ما زال دون المطلوب، ومنها كما أشرت قبلاً هنا دول آسيا الوسطى الإسلامية. أين نحن من السويد وتجربتها في إعادة التدوير التي صارت تستورد نفايات من دول غربية أخرى حتى تفيد منها في صناعة مواد متنوعة. أو النرويج التي أغلقت بعض سجونها لانعدام الحاجة لها بسبب الانضباط وسريان القانون دون محاباة لأحد. نحن أمة لدينا قانون سماوي لكن المشكلة تكمن في بعض آليات التطبيق والتلكؤ في تطويرها وعدم النظر باعتبار إلى العقوبات البديلة عن السجن في بعض القضايا. هنا، تتبادر إلى الذهن طبيعياً حادثة الرسوم المسيئة إلى النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، لكن تتبادر أيضاً إلى ذهن كل متعقل أن ذلك المجتمع هو علماني وإن كان مسيحيا بالاسم، وبالطبع لا يبرر هذا تلك الجريمة ولا يجيز عنها السكوت وإن كانت قد أفادت الأمة إفادة كبيرة بعكس ما ينظر لها كثيرون سطحياً. فهي جددت قضايا إيمانية لدى المسلمين أهمها محبة النبي الكريم ومكانته ومن ثم مكانة الإسلام في نفوسهم. ثم لفتت أنظار الدنمركيين لهذه الشخصية الأعظم بين البشر فصار القرآن المترجم باللغة الدنمركية أعلى الكتب توزيعاً غداة حادثة الرسوم، ومن ثم دخل آلاف الدنمركيين الإسلام تبعا لذلك.
للدول الأسكندنافية ميزة عدم وجود ماض استعماري مع الدول العربية فليس هناك ترسبات من الماضي. ولنا في تاريخنا تجربة جميلة في رحلة أحمد بن فضلان رسولاً من الخليفة العباسي المهدي التي وصل فيها الشمال الأسكندنافي في تواصل حضاري بديع، كتب عنها وجسدت كذلك في هوليوود في فلم (the 13th warrior) وقام بدور ابن فضلان الممثل الإسباني -لسحنته شبه العربية- انتونيو بانديراس.
صحبتكم رعاية الرحمن،،،