صدر عن دار جداول للنشر والترجمة في بيروت كتاب «الفُرس: إيران في العصور القديمة والوسطى والحديثة» للمؤرخ هوما كاتوزيان. وقام بترجمته إلى العربية الدكتور أحمد حسن المعيني.
في هذا الكتاب يقدّم هوما كاتوزيان، رئيس مركز الدراسات الإيرانية في لندن أستاذ الشؤون الفارسية في جامعتي اكسفورد وييل ومؤلف الكتاب الشهير «مصدق والصراع على السلطة في إيران»، منظوراً نقدياً للتاريخ الإيراني بكل مكوناته، بدءًا من الإمبراطورية الفارسية القديمة حتى إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيساً عام 2009، بيد أن ما يميّز به هذا المنظور عن غيره هو أنه إيراني من الداخل لا من الغرب.
ويأتي هذا الكتاب في وقت تتصدر فيه إيران المشهد، سواء بسبب حكوماتها الدينية أو برنامجها النووي أو الدور المثير للجدل الذي تلعبه في شؤون الشرق الأوسط. ولعل من المفيد أن يُلحق بهذه الصورة تاريخ رصين يتجاوزها، ويحاول في الوقت نفسه أن يضعها في سياق تاريخي واجتماعي يعمّق فهمها.
وفي حين يسعى المؤلف إلى الإحاطة بأهم الأحداث والشخصيات في سرده التاريخي إلا أنه يدمج هذا السرد بتحليل أكاديمي يؤطر القصة التاريخية، فيكشف العلاقة الجدلية بين الدولة والمجتمع في إيران على مر العصور، تلك العلاقة التي يغلفها شك وخوف متبادلان، أفضيا إلى سلطة مطلقة واستبدادية، ومجتمع يتسم في تفكيره وسيرورته بقصر الأجل. ويفيد الغوص في الميثولوجيا الإيرانية في التعرف إلى مشروعية الحكم في ذهنية الشعب الإيراني والدوافع التي تؤطر موقفه من الدولة، فلماذا مثلاً يلجأ المجتمع إلى التقاليد حين تتبنى الدولة خطاباً تحديثياً؟ ولماذا تستعر القومية الفارسية حين تحتمي الدولة خلف الأيديولوجيا الإسلامية؟
تتجلى أهمية الترجمة العربية لهذا الكتاب في أنها تسد ثغرة كبيرة في المكتبة العربية التي تخلو حتى الآن من تاريخ شامل لإيران، ونظرة فاحصة في إرثها السياسي والاجتماعي الذي لا يمكن فصله عن الشأن السياسي لما بعد الثورة الإسلامية.