منى فتاة في ربيع عمرها، ذكيّة وخياليّة، ولديها حب استطلاع شديد، لها ثلاث أخوات أكبر منها كلّهن متزوّجات، ومن خلالهن ومن خلال مجالستها لهن نبت في رأسها سؤال عريض: عن معنى الحياة الزّوجيّة ومداها؟ فهي ترى أختها هند وهي لا تتحدّث إلا عن زوجها خالد وفي كل أحاديثها وأخبارها قال لي خالد، ويقول خالد..
تدافع عنه بقوّة، تتّخذ مواقفه مواقفا لها، تبرّر له أخطاؤه،أمّا صفاء فلم تنس ( منى) ما حدث لها حين بلغها حدوث حادث بسيط لزوجها سالم، بكت صفاء وهبّت كالمجنونة وانطلقت إلى المستشفى، وفي المستشفى تجاوزت الكثير من التقاليد وهي تنكفئ على سالم، سالم سالم ماذا حدث؟ كيف حدث؟ هل أنت بخير؟
أمّا الأخت الثالثة هدى فلها قصّتها هي الأخرى، فزوجها محمد كثير السّفر بحكم أعماله التّجاريّة، وقد لاحظت (منى) أن هدى إذا غاب محمد تغيب عن الحياة، تختفي زينتها، تموت ملامح جمالها، حتّى لكأنّها أرملة في ثياب الحداد، وإذا عاد محمد خُلقت هدى من جديد، منى تتساءل هل هذه هدى الّتي كانت تنافسني على حضن أبي وتتمارض أحيانا لتفوز بحضنه، ثم تفاخر عليّ بذلك! وفجأة يأتي محمد ليس فقط ليأخذها بل ليشكّل مشاعرها وأحاسيسها من جديد، لِيُغيّر عاداتها وأساليبها، وتتحوّل إلى ظل لمحمد لا تتحرّك إلا به ومعه.
أيّ شيء هو هذا الزّواج! هل هو بداية أم نهاية؟ وهل هذه هي صفاء الّتي كان غياب أبي يحيلها إلى رماد من كثرة البكاء، صفاء الّتي كانت تُضرب عن الأكل إذا غاب والدي،وتكرهنا وتكره البيت، وهاهي اليوم مع سالم، تغيب عنا بلا دموع، وتحضر حضور الزّائرين ليس إلا! منى تتساءل: ألهذه الدّرجة يمتلك الزّوج عقل المرأة، ويحوّل بوصلة قلبها، ألهذه الدّرجة تصبح المرأة مجرد صدى للرّجل؟ أيّ سحر هو هذا الزّواج؟ وإلا فكيف يأتي رجل غريب على المرأة لينسيها الماضي بكل عاداته وانتماءاته وأحلامه وتفاصيله،
أيّ سحر هو هذا الزّواج وهند تكتب اسم زوجها في الجوال ( قلبي) وصفاء تكتبه (حياتي) وهدى تكتبه ( عالمي)!وكانت منى تعلّق على أخواتها بشدّة تعلقهن بأزواجهن كلّما وجدت مناسبة، وهنّ يقلن لها ستري يا «منى» إذا تزوّجت! وفي إحدى الجلسات العائلية أخبرتهم الأم بخطبة منى.
«منى» تهرب إلى غرفتها وترتمي على سريرها وتزرع عيناها في سقف الغرفة وتتساءل من جديد: هل يستطيع رجل ما أن يمتلكني؟ أن يُغيّر أفكاري وقناعاتي، ووسط فرحة والدها ووالدتها وتعليقات أخواتها ازدادت نبضات قلبها خوفا وقلقا وحيرة وهي تفكر في هذا القادم الغريب، وعن السّحر الّذي سيسحرها به، كما سحرن أخواتها من قبل.
وجاء موعد الزّواج وتزوّجت منى، وفي إحدى الجلسات العائليّة بعد الزواج قمن أخواتها هند وصفاء وهدى بممازحتها فقلن لها: سمعنا يا «منى» أن زوجك ( دب) كناية عن السمنة ..صحيح يا منى؟ .. غضبت منى وتركت الجلسة وذهبت إلى غرفتها القديمة، فلحقن بها أخواتها لمصالحتها فرن جوّال منى، ويا للدهشة الأخوات فقد كان المتّصل زوج منى، وقد كتبت منى أمام رقمه اسم (أنا)!!