بعض أمورنا وأحداثنا وأسرارنا الاجتماعية الخفية التي فضحها وكشف الغطاء عنها الـ»يوتيوب» تبدو في غاية الغرابة لكنها قطعاً ليست جديدة فهي موجودة منذ زمن بعيد، وكل ما في الأمر أننا كنا في السابق نتعامى عنها وندعي أنها غير موجودة. وحتى عندما يثبت بالبرهان القاطع أن مثل هذه الأشياء الغريبة تحدث في مجتمعنا فإننا نأتي بتبريرات أشد غرابة وكأننا لسنا من طينة البشر الذين يرتكبون مثل هذه الأشياء في كل مكان من الدنيا.
أما الآن فلم يعد بالإمكان إخفاء أي شيء! جاء الـ «يوتيوب» وجاءت معه الشفافية المطلقة العارية التي لا يستطيع أحدٌ إنكارها، فاكتشفنا أن الإنسان هو الإنسان سواء كان يعيش في السويد أو في أدغال أفريقيا أو في مجتمعنا الذي لازال بعضنا يرى أنه مميز عن مجتمعات الدنيا بأسرها في كل شيء.
كل ما يحتاجه المرء هو جوال صغير يلتقط بواسطة كاميراته الدقيقة الحادة أحداثاً مصورة كاملة ثم يبثها على موقع اليوتيوب ليراها كل سكان الكرة الأرضية!
أصبح بوسع تلميذ في المرحلة الابتدائية أن يسجل بالصوت والصورة مشاهد مروعة لتعذيب تلميذ صغير آخر في الصف على يد معلمه الذي كان من المفروض أن يعلمه الدروس لا أن يتحول إلى جلاد!
وصار بوسع الناس أن يتفرجوا على أبٍ يسلخ فروة شعر ابنه الصغير بسبب تصرف طفولي بريء يقع فيه جميع أطفال الدنيا كل يوم كجزء من رحلة التعلم التي يمر بها الإنسان في حياته عبر أطوارها المختلفة.
أصبح بوسعنا مشاهدة ما يفعله بعض الشباب عندما يقيمون حفلة تعذيب لحيوان مسجون في قفص ثم يحرقونه حيا ويتقافزون حوله كأنهم قاموا بعمل بطولي خارق!
وبفضل اليوتيوب صار بوسع الناس مشاهدة الممارسات الإجرامية للمتحرشين الذين يتربصون بالنساء أمام أبواب المتاجر الكبرى، مثلما حدث في الظهران قبل مدة ليست بالبعيدة.
هذه الممارسات كانت موجودة منذ زمن ما قبل اليوتيوب، ولكن بفضل اليوتيوب أصبحت الأعمال الشائنة موثقة، وأصبح من يقترفها مفضوحاً أمام الناس، وأصبح من المحرج للجهة الحكومية المسؤولة ألا تفعل شيئاً للقبض على الجناة وتقديمهم للمحاكمة.
كل هذا بفضل اليوتيوب المعجزة، فشكراً أيها اليوتيوب: لقد عريتنا أمام أنفسنا، فتأكدنا أننا بشر ولسنا ملائكة.
أجل.. نحن بشر نخطئ ونصيب وما المدينة الفاضلة المزعومة إلا واحدة من شطحات خيال الفلاسفة.