من زاوية ما، سجل «فريد ريك انجلز» عن اليمن - منذ أكثر من مائة عام -، في رسالة إلى « كارل ماركس «: « أنه كان يكفي أن تنشب حرب مدمرة واحدة؛ حتي يتم إخلاء البلد من سكانه «، ووصف ما يحدث من اضطرابات غامضة هناك، بالقول: «إن تدميراً مباشراً، وعنيفاً، يجري إلى درجة لا يمكن تفسيره إلا بالغزو الحبشي»؛ لكن ما هو مفاجئ - في تقديري - ما يجري هذه الأيام، من أن يمناً ممزقاً على شفا حرب طائفية، وبلداً يُدفع بقوة نحو هاوية التقسيم، سيدخل البلاد نحو نفق مظلم بقيادة جماعة الحوثي، ملخصاً المشهد العام للأزمة السياسية اليمنية، والتي ستمر بفصول مضاعفة لحروب طائفية، لن تبقي على أحد.
على مسارات واسعة من اليمن، فقد لعب الحوثيون السياسة بطريقة ماكرة، حين انتهجت الحركة في أدبياتها لغة الاستقطاب المذهبي، تجاه الأطراف السنية في اليمن بكافة أطيافها؛ ولأن الحرب الأهلية تعرف، بأنها: الصراع المسلح الذي يقع داخل مجتمع ما، أو دولة ما، أو إقليم ما، قائمة على أسس عرقية، أو دينية، أو مذهبية، أو مناطقية، أو مشاريع - خاصة -، - سواء - كانت الدولة جزءا من هذا الصراع، أو لا، فقد ذهب - الأستاذ - أنور قاسم الخضري إلى أن الحرب الأهلية في اليمن، يمكن أن تأخذ صوراً عدة، منها:
1 - النزاعات القبلية، التي ظلت مشتعلة - خلال فترات سابقة -؛ نظراً لوجود نزاعات ثأر، أو مصالح، كما هي الحال في - محافظات - الجوف، ومأرب، وذمار، - ومحافظة - صنعاء، وغيرها.
2 - الانقسام المناطقي، حيث يجري الحديث عن - شعبين - شمالي، وجنوبي، والمناداة بالانفصال، ولو اعتماداً على الاستعانة بالبعد الدولي، كما هو خطاب - نائب الرئيس الأسبق - علي سالم البيض، ورموزاً معارضة في الخارج.
3 - المشاريع الضيقة، من قَبِيل مشروع القاعدة في فرض هيمنتها على رقعة من الأرض، واتخاذها منطلقاً للقتال، وضم بقية المناطق؛ لما قد يطلق عليه بالإمارة الإسلامية، وقد تشهد اليمن مشاريع - أخرى - ضيقة كـ « السلطانات الجنوبية « - مثلاً -.
4 - التمييز الطبقي، حيث توجد شريحة اجتماعية كبيرة مهمشة، تعيش على خارج حدود الحياة الإنسانية، في ظل تمييز اجتماعي، كما هي الحال مع طبقة الأخدام، الذين يمكن إدخالهم في الصراع؛ لحساب طرف على آخر.
قد تكون هناك تطورات غير متوقعة نحو مستقبل أفضل للشعب اليمني، رغم سيطرة الحوثيين على بعض مدن الشمال، واشتعال الجبهة الثانية من المشهد اليمني، والذي يشهد الآلاف من أنصار الحراك الجنوبي في ساحة « الشابات خور مكثر « في عدن؛ لإحياء الذكرى « 51 « لثورة « 14 « أكتوبر ضد الاحتلال البريطاني؛ ولإطلاق اعتصام مفتوح؛ للمطالبة بالانفصال، واستعادة دولتهم - السابقة -، التي كانت مستقلة حتى عام 1990م. ولا ننسى - أيضا - أن الأوضاع متذبذبة بين محاولات تنظيم القاعدة السيطرة، واستغلال الأوضاع القائمة؛ لفرض السيطرة على مناطق ينشط فيها التنظيم داخل اليمن. فكل الاحتمالات واردة؛ نظرا لانسداد أفق الحل المقبول - حتى اللحظة - من أطراف المعادلة، - وبالتالي - غياب رؤية توافقية لحل الأزمات السياسية، والاقتصادية.