كتب أ.أزهر اللويزي مقالة رائعة حول ذواتنا وكيفية تحسينها فإليك هي واقرأها بتمعن وتدبر:
يحتاج الإنسان إلى المرآة لينظر إلى صورته ويرتب هندامه ويُسرِح شعره ويتأمل ملامح وجهه ويتفحَص مظهره ويُعدل ما يحتاج إلى تعديل ويُرتب ما يحتاج لترتيب لكنه بحاجة أمس إلى أهم من ذلك.
يحتاج إلى مرآة ليرى فيها نفسه ويلحظ فيها سلوكه ويكتشف فيها عيوبه ونواقصه فيُصحح مساره في الحياة ويقوُم خلقه ويفهم ذاته ويكشف بواعث نفسه.
فتجد في المرآة صورة واضحة لذاتك وهي تجمع بين أمرين وهما تجميل الصورة وتقويم السلوك، فها هو مُعلم البشرية وخاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم يُعلمنا حينما كان ينظر في المرآة يدعو فيقول:
«اللهم كما حسنت خَلقي فحسن خُلقي»
فقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وهو أحسن الناس خلقاً وخُلقاً ومع كل هذا يدعو ويتضرَع للباري عزَ وجل أن يُحسِن خُلقه كما حسَن صورته الشريفة وفي هذا تعليم لأمته.
فما أحوجنا نحن الى نظرات للمرآة ووقفات مع النفس لتزكيتها وتطهيرها من عللها وعيوبها والسمو بها إلى أقصى درجات الرقي والكمال مع الاعتناء بجمال المنظر وتهذيب السلوك.
ولعلك تسأل ماذا تعني بالمرآة؟
أعني بها رؤية النفس بغير عيوننا، فقد تكون المرآة نصيحة من مُحب يهديها لك وقد تكون صرخة مدوية من عدو يجهر بها عنك تشهيراً وتعييراً ولكن عين السخط تُبدي المساويا وقد تكون حكمة مسطرة في دفة كتاب فالكتاب ناطق صامت وصادق لا يكذب وناصح لا يخدع وقد يكون سلوكاً مُشيناً رأيته بعينك من أحد ما إثر احتكاك مباشر مع الناس. فبعد أن عرفت المرآة فمن حقك أيضاً أن تسأل: هل كلنا يحتاج إلى المرآة؟ ولماذا؟
نعم كلنا يحتاج إلى مرآة ولذلك لسببين: السبب الأول أن في هذه المرآة انعكاس لصورتك الحقيقية المتمثلة بأخلاقك وسلوكك وتصرفاتك وأفكارك وخواطرك.
والسبب الثاني لأن النفس جزء منا فتحجب عنَا رؤية عيوبنا وعللنا بل قد تخدعنا وتغلف العيوب بغلاف المحاسن، أما على شاشة المرآة فسوف نرى ما لا تراه أنفسنا، فنجد فيها إدانة لكل سقطة وتذكير لكل هفوة.
فالعاقل من انشغل بإصلاح عيوب نفسه ثم دعا غيره والجاهل من يرى القذى في عين أخيه ولا يرى الجَذَع في عينه.
للوقوف بجرأة أمام المرآة نقلة نوعية من الضياع إلى الاستقامة ومن الكبوة إلى النهضة ومن الغفلة إلى اليقظة ومن الخور إلى عزيمة وهذا ما حصده الشاب من بني إسرائيل.
إذا أمسيتَ فابتدر الفلاحا
ولا تُهمله تنتظر الصباحا
وتُب مما جنيتَ فكم اُناسٍ
قضوا نحباً وقد باتوا صحاحاً
فكلما أطلت النظر في مرآتك كلما ازددتَ فهماً لنفسك واكتشفت عللها الخفية فعندها سترى صورتك الحقيقية بلا تزييف أو تزيين.
لأن من أطال النظر في مرآته قلت هفواته وزاد تحكُمه في نفسه وتمرَس في قيادتها وتفنَن في كبح جماحها وجمع شتاتها وترتيب أهدافها وقدح زناد حماسها وشحن بطارية طموحها.
فكم من مخدوع أهمل النظر في مرآته فوقع تحت سهام الشيطان فخرَ صريعاً مجندلاً؟!
فالحقيقة التي لا مراء فيها أننا بحاجة مُلحة إلى المرآة وإن اختلفت درجات التفاوت في الحاجة إليها، فليس مَن هو في حالة احتضار كمن هو في بداية سقمه؟!.
وإياك أن تتعالى وتستكبر عن كل ما جاء في المرآة من نصيحة أو نقد أو حكمة فهذه علامات الغرور والخواء الروحي والإفلاس الأخلاقي ولا يوهمنَك شيطان ويوصلك إلى مرحلة الشعور بالكمال والفوقية.
وتبقى في أنفسنا ثغرات لا يمكن ملؤها إلا من خلال مراجعة صور المرآة الملتصقة عليها، فلابد من تقبَل ما يُعرض فيها بعقل منفتح وأذنٍ صاغية متأسياً بالمقولة العمرية: رحم الله امرءاً أهدى إلي عيوبي.
ولا تكن انتقائيا لما تجد في المرآة وترى بعين واحدة، فقد تجد فيها ما تكره ويخالف هوى النفس ولكن استظهر بقوله تعالى: «فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً».
وتقول الحكمة: من صبر على مرارة الدواء عُوفي.. فلا بد من تجرُع مرارته لأن العادة السيئة لا يمكن كسرها بسهولة والتخلُص منها بيُسر إلا بعد حصولنا على بطاقة مجاهدة النفس، لكن الإصرار على إدامة النظر في المرآة وتقبُل ما جاء فيها كفيل بالشفاء والنجاة.
من هذه اللحظة أعطِ مرآتك حقها وكن على مسافة قريبة منها وأجهد نفسك دوماً في إدامة النظر إليها، فكما قيل: كلما زاد العرق وقت السلم كلما قلت الدماء وقت الحرب.
عِش في حدود المرآة وكُن واقعياً وافتح صفحة مشرقة من خلال تحويل ما جاء فيها إلى سلوك جميل وخلق حسن ووعي دائم.
فيا خليفة الأرض ويا خلاصة الكون كُن جريئاً وقف أمام مرآتك لترى صورتك بمنظار الحقيقة خالية من كل نمش وغبش وضبابية، واغرس في نفسك الفضول لتسألها بين الحين والحين ولا تقطع جسر التواصل معها فما أجمل وأحلى من أن تكون صورتك واضحة صادقة ليس فيها وجهاً قبيحاً ولا صورة مشهوة ولا سلوكاً معوجاً فقد بان الفجر وانقشع الظلام.