أوصت دراسة ميدانية عن حجم التوعية الدينية بأحكام الحج والعمرة لحجاج الدول العربية من النساء بتنويع وسائل التوعية الموجهة إليهن في داخل المملكة بعد قدومهن للمشاعر المقدسة، وفي بلدانهن قبل مغادرتهن لأوطانهن متوجهات إلى المملكة العربية السعودية، وتكثيف هذه التوعية وتحسين محتواها.
واستعرضت الدراسة التي قامت بها باحثات أكاديميات في معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج التابع لجامعة أم القرى هذه الوسائل، ومن ذلك وسائل دعوية للحجاج في بلدانهم، والهدف منها دعوة الحاج قبل أن يأتي إلى الأراضي المقدسة وتعليمه وإفهامه أداء الشعائر، وهذه من أنفع الوسائل، إذ إن الحاج يمكنه استيعاب ما يسمع وتطبيقه بعيداً عن تعب السفر وزحام المشاعر وتشويش الازدحام، ويتم ذلك بالسعي إلى التنسيق مع مسؤولي الحج في الجهات والمؤسسات والمراكز الإسلامية في البلدان المختلفة لعقد دورات شرعية عن صفة الحج وآدابه ومتطلبات الحاج، والأمور التي يشرع فعلها قبل السفر.
سلوكيات الحجاج
وفي هذا السياق أوضحت الباحثات أن بعض الجهات الدعوية في ماليزيا بدأت تنفيذ هذه الفكرة، مما ظهر أثره في سلوكيات حجاج هذه البلاد، وتُشكر على ذلك ولكن المطلوب أكبر، والمسألة تتطلب المزيد من الجهد والتنسيق، وحبذا لو تعمم هذه التجربة على جميع بلدان العالم الإسلامي، وكذا الجاليات المسلمة في البلاد غير الإسلامية، وتخصيص حقيبة إرشادية للحاج بلغته يكون فيها مصحف وبعض الكتيبات والأشرطة والخرائط الخاصة بمكة والمشاعر، والتنسيق مع الجهات المسؤولة عن سفر الحجيج لتوزيع هذه الحقائب عليهم، أو عرضها للبيع بأسعار رمزية في كافة البلدان قبل موسم الحج بوقت كاف، والاستفادة من التقنيات الحديثة لشرح معالم الحج وأركانه وآدابه, كأشرطة الفيديو والمجسمات والشرائح الفيلمية؛ لأن كثيراً من الأخطاء التي يقع فيها الحجاج ناتجة عن جهلهم بكيفية المشاعر ومواقعها.
وأشارت الدراسة إلى أهمية الوسائل الدعوية في وسائل النقل التي تنقل الحجاج إلى بلاد الحرمين, كالحافلات والطائرات والسفن وغيرها، ويتم ذلك من خلال عرض أفلام فيديو وتشغيل أشرطة كاسيت حول صفة الحج وآدابه عند القدوم إلى المشاعر وحول أهمية الاستمرار في العمل الصالح, وأن يكون العبد بعد الحج خيراً من قبله، والحث على تجنب البدع والمنكرات التي يقع فيها البعض عند عودتهم إلى بلدانهم, وأن يكون للحاج عند عودته دور في إصلاح أهله ومجتمعه وبث الوعي الشرعي ومجابهة الفساد، وتوزيع الحقائب الإرشادية على الحجاج التي تتضمن مواد علمية على منهج أهل السنة والجماعة, وكتيبات وأشرطة لتوعية المرأة وصفة الحجاب الشرعي ودور المرأة المسلمة.
وأكدت الدراسة في هذا الشأن أهمية التنسيق مع أصحاب الحملات وشركات النقل لتعيين داعية أو أكثر يجيدون لغة الركاب لشرح صفة الحج وآدابه والأخطاء التي ترتكب فيه؛ لتجنبها وطرح الموضوعات العقدية والفقهية والإجابة عن استفسارات الحجاج, وهذا الأسلوب من أنفع الأساليب سيما في الرحلات الطويلة التي تستغرق الساعات الكثيرة التي قد يقضيها الركاب بما لا يفيد من الأقوال وما لا ينفع من الأفعال، على أن تقوم هذه الشركات بتنبيه الركاب قبل محاذاة الميقات ليستعدوا للإحرام إذا حاذوه، فكثير منهم لا يقوم بذلك، كما أنه يجب عليها أن تمتنع عن تقديم أو عرض ما لا يحل شرعاً. فإذا وصل الحاج إلى أرض الحرمين بات لازماً أن يزود بدليل بلغات عدة يتضمن أرقام هواتف الذين يتحدثون بلغته, مع كتيبات ونشرات عن صفة الحج وأداء النسك.
وكذا ضرورة وضع وسائل دعوية في منافذ بلاد الحرمين الحدودية ويتم ذلك من خلال: توزيع المصاحف والكتيبات والأشرطة الإسلامية والخرائط الإرشادية عند قدوم الحجاج ومغادرتهم، ووضع لوحات توجيهية وتكثيفها، ولافتات أخرى تحمل عبارات الترحيب والوداع باسم الجهات والمؤسسات الدعوية، لاسيما وأن مثل هذه اللوحات ظهر تأثيرها بوضوح على توعية الحجاج، إلى جانب توزيع دليل بلغات عدة يتضمن أرقام هواتف الجهات الدعوية والخدمية وأرقام الدعاة الذين يتحدثون بلغات مختلفة مع الإشارة إلى اللغة التي يتقنها كل منهم، مع وجود وسائل دعوية في مدن الحجاج وعند المواقيت، ويتم ذلك بتكثيف الدعاة والداعيات في هذه المواقع وبلغات مختلفة, لتعليم الحجاج ما يحتاجون إليه من أمور دينهم وتوجيههم إلى ما ينفعهم ومساعدتهم في تصحيح الأخطاء التي يقعون فيها، والإجابة على استفساراتهم ونحو ذلك. ونشر مكاتب الدعوة والإرشاد الصغيرة والمؤقتة في مدن الحجاج والمواقيت بقدر المستطاع وتخصيص أقسام للرجال وأقسام أخرى للنساء. وما أحوج الحجاج إلى وضع لوحات إرشادية تتضمن صفة الحج وآدابه ونماذج من الأخطاء العقدية والسلوكية التي قد يقع فيها الحجاج. والأفضل أن تكون لوحات إلكترونية حتى يتمكن القائمون عليها من تحديد التوجيهات الملائمة بلغات مختلفة. أما إقامة الدروس العملية والدورات الشرعية في مدن الحجاج بعد انتهاء موسم الحج، وفي الوقت الذي ينتظرون فيه للمغادرة إلى بلدانهم، فهذا أمر في غاية الأهمية ويمكن التنسيق مع مكاتب دعوة الجاليات.
وشددت الدراسة على وجود الوسائل الدعوية أثناء النقل الداخلي بين المدن وفي المشاعر: وهذا يتطلب قيام المطوفين وأصحاب الحملات بتعيين دعاة في الحافلات بلغة الركاب للتوجيه والإرشاد وإقامة البرامج الدعوية والإجابة عن الأسئلة، وحبذا لو يتم التنسيق مع وزارة الحج ووزارة الشؤون الإسلامية ومكاتب توعية الجاليات لتوفير الدعاة والداعيات لتحقيق هذا الغرض، وإعداد قائمة بالمخالفات الشرعية الشائعة وتوزيعها، وكذا الوسائل الدعوية في الحرمين الشريفين وتشمل ترجمة خطبة عرفة إلى جميع لغات أهل الموقف بعد فراغ الخطيب منها، وترجمة خطبة العيد بعد الفراغ منها عبر مكبرات الصوت، مع أهمية الوسائل الدعوية في مساجد منطقتي مكة والمدينة وتتم من خلال: قيام الأئمة والمؤذنين بتوجيه الحجاج الذين يصلون خلفهم، وتصحيح ما قد يكون لديهم من أخطاء شرعية، وتفعيل دور جماعة المسجد في الاختلاط بالحجاج وإكرامهم وزيارتهم في مساكنهم والقيام بتوعيتهم، وتفعيل دور نساء جماعة المسجد في الاختلاط بالنسوة القادمات للحج, وحثهن على تعلم الدين والدعوة إليه والقيام بدورهن في تربية النشء تربية صالحة والتمسك بالحجاب، وعدم الانسياق خلف الدعوات المشبوهة التي تهدف إلى إفساد المرأة وإبعادها عن دينها، والتنسيق مع مكاتب دعوة الجاليات لترجمة خطب الجمعة والمحاضرات والدروس العلمية, كل مسجد بلغة مرتاديه من الحجيج، وعرض بعض الدروس والمحاضرات المسجلة باللغات المختلفة عبر مكبر صوت المسجد في المخيمات والمساجد، ووضع ركن للدعوة في مداخل المجمعات السكنية توضع فيه الكتيبات والمطويات والأشرطة, ووضع لوحة للفتوى وصندوق لجمع الأسئلة والاقتراحات الدعوية على أن تكون لكتابة ساكني المجمع، إضافة إلى الوسائل الدعوية في مخيمات المشاعر بإيجاد قنوات تلفزيونية داخلية في منطقة المشاعر تبث بلغات مختلفة وعلى شاشات كبيرة جداً, ليتمكن من خلالها العلماء والدعاة من توجيه الحجيج وإرشادهم إلى ما ينفعهم. ومما يساعد على نجاح هذه الفكرة هو بقاء الخيام في منى وجزء من مزدلفة على مدار العام، مما يغني المسؤولين عن تحمل مشقة إعادة التأسيس للأجهزة في كل موسم، وتثبيت لوحات إرشادية في المخيمات، تتضمن التوجيهات الشرعية بلغات قاطنيها، وتفعيل دور طالبات العلم والداعيات الموجودات في المخيمات باعتبارهن الأقدر على التأثير في صفوف بنات جنسهن وتوعيتهن وتنبيههن بأهمية تعلم الدين والاعتزاز باهوية الإسلامية والمحافظة على الحجاب، والبعد عن الاختلاط بالرجال، والابتعاد عن التشبه بالكافرات ومن دار في فلكهن, وإلزام مؤسسات الطوافة بالتعاون مع هؤلاء الداعيات وتقديم الدعم لهن.
توصيات واقتراحات
وقد أوصت الدراسة هيئة التوعية في الحج والمؤسسات الدعوية بوضع صناديق للاقتراحات داخل المخيمات, ثم دراسة هذه الاقتراحات والاستفادة منها في خططها الدعوية للأعوام القادمة, كما أنه ينبغي على الدعاة وطلبة العلم وأهل الخير إحياء السنن التي يتساهل فيها الكثير كالتلبية والتكبير، واقترحت الدراسة إنشاء خيمات دعوية في المشاعر: خيمة أو مخيمات للنساء وأخرى للرجال، مجهزة بأجهزة صوتية يستضاف فيها علماء ودعاة ومشايخ يرتب لهم جدول محاضرات يشرف عليها مكتب الدعوة، وفيها مغلفات دعوية تحتوي على كتيبات وأشرطة.
كما أوصت بوضع لوحات عند أبواب المخيمات والمساجد تتضمن فتاوى وتوجيهات إرشادية يتم تغذيتها بنشرة دعوية بشكل دوري كل يومين، ومغلفة بغلاف بلاستيكي شفاف يثبت فيها آداب ونصائح وفتاوى وكلمات وعظية، ووضع مقسم ضخم للدعوة والإرشاد يضم دعاة بلغات مختلفة بحيث يكون لكل لغة جملة من خطوط الهاتف برقم موحد، ويتم إلزام المجمعات السكنية بتشغيل المقاسم الخاصة بها ووضع جهاز في كل غرفة وبجواره يعلق ملصق فيه أرقام هواتف الدعوة والإرشاد بكل لغة. كما دعت الدراسة المطوفين وأصحاب الحملات بوضع مكتبة سمعية ومقروءة بأكثر من لغة خاصة في المخيمات التي يتقن فيها الحجاج أكثر من لغة.
وأكدت الدراسة على أهمية وجود وسائل دعوية في الطرقات والأماكن العامة بحيث يتم وضع مواقع صغيرة في الطرقات للإجابة عن الاستفسارات وتوزيع الكتيبات والأشرطة، ووضع لوحات إرشادية الكترونية على الجسور والطرق, وأجهزة عرض تلفزيوني وتسجيل في أماكن تجمع الناس العامة لعرض برامج التوعية.
ودعت الدراسة إلى الاستفادة من وسائل الإعلام المختلفة لخدمة التوعية في الحج، بتخصيص أبواب وأعمدة ثابتة في المجلات والصحف من شهر ذي القعدة أو شهر شوال تشمل مواضيع عن الحج تشرف عليها وزارة الشؤون الإسلامية وتحتوي على توعية وآداب وسلوك, وكذلك في القنوات الفضائية الدينية والتوعوية, واستخدام قنوات الاتصال مع مختلف الأجهزة ذات العلاقة بشؤون الحج في الدول الإسلامية لخدمة أهداف التوعية في الحج وتحديد الموضوعات والقضايا المطلوب توعية الحجاج بها وتوجيههم للاستفادة منها.