يتميّز رئيس حركة التغيير، عضو الأمانة العامة لقوى 14 آذار المحامي ايلي محفوض، بكلامه السياسي عالي النبرة. يُعتبر الرجل من صقور الرابع عشر من آذار الذين لا يسامون في مواقفهم، ولا في خصومتهم السياسية لحزب الله وللعماد ميشال عون.
حين تسأل محفوض عن سبب «تشدده» ضد هذا الفريق يقول لك بالحرف: ليست المسألة شخصية أبداً وإنما بسبب ارتهان عون للنظام السوري وحزب الله لإيران. وفي موضوع الدعم السعودي للبنان، يجيب محفوض على الفور: ليس جديداً على المملكة مساعداتها للبنان، وهي لطالما آمنت بلبنان قويٍّ سيِّد حرٍّ، بعكس العديد من الدول التي دمّرت لبنان!
«الجزيرة» زارت محفوض في مكتبه وحملت ملفات: الهبة السعودية للبنان، وانتخابات رئاسة الجمهورية، وقتال حزب الله في سوريا والمسلحين المتشددين، وغيرها، وعادت بهذا اللقاء:
* أستاذ محفوض، لا شك أنّ موضوع انتخاب رئيس الجمهورية يشغل بال اللبنانيين جميعاً خصوصاً الموارنة منهم، كون الرئيس بحسب الدستور يجب أن يكون مارونياً وهو الرئيس المسيحي الوحيد في العالم العربي كله.
موضوعياً لمن يحمّل ايلي محفوض مسؤولية عدم انتخاب الرئيس حتى الآن، علماً أنه جرت الخميس في 9 تشرين الأول المحاولة الرابعة عشرة لانتخابه من دون نجاح؟
- الاستحقاق الرئاسي شأنه شأن كلّ الاستحقاقات الدستورية التي حاول حزب الله تعطيلها، وهو يسعى منذ فترة طويلة للإمساك بالقرار السياسي للجمهورية اللبنانية، بعدما باتت القرارات الأمنية والعسكرية تحت مجهره المباشر، ويخطئ من يعتقد بأنّ حزب الله تنازل عن مشروعه الاستراتيجي الأساسي والذي قام منذ الثمانينات، ألا وهو السعي لإقامة الجمهورية الإسلامية ببعدها الإيراني تيمُّناً بعقيدة ولاية الفقيه، من هنا القول إنّ المسؤول الأول لتعطيل الاستحقاق الرئاسي هو حزب الله مستعملاً أحد الموارنة للتلطي وراء مطالبه وهذا الأسلوب يعتمده منذ فترة، ليس فقط بموضوع انتخاب رئيس الجمهورية، إنما في استحقاقات مختلفة، على سبيل المثال لا الحصر، عند تشكيل الحكومات واستئخار إطلاقها بحجة أنّ حليفه المسيحي غير راض عن حصته العددية أو عن نوع الحقائب وهكذا دواليك.. إذاً بالمختصر المفيد حزب الله أساس المعضلة في لبنان، وكلّ الأذى اللاحق بالإستبليشمنت (المؤسسة) اللبنانية مردّه لمشروع حزب الله المتناقض مع دستور الجمهورية اللبنانية.
* هل تتحمل قوى 14 آذار جزءاً من المسؤولية كذلك؟
- باستعراض المراحل منذ الدخول بالمهلة المحددة لانتخاب رئيس الجمهورية وحتى اللحظة، يتبيّن للجميع أنّ قوى 14 آذار قدّمت مرشحها بشكل علني، وهذا المرشح قام بواجباته الترشحية، ومنها إعلانه عن الترشح مرفقاً ببرنامج رئاسي تمّ نشره وتوزيعه وتسليمه من جميع الأقطاب السياسيين، باستثناء حزب الله الذي رفض تسلُّم البرنامج. وهذا يدلّ على ثقافة هذه الميليشيا التقوقعية انطلاقاً من معادلة كل من ليس معنا نحن ضدّه. إذاً، 14 آذار بادرت وترشحت وأعلنت برنامجها وراحت تشارك منذ انعقاد الجلسة الأولى من جلسات الانتخاب وحتى آخر جلسة عبر الحضور إلى المجلس. في المقابل الفريق المنتمي لحزب الله قاطع وانكفأ عن الحضور، وهنا ظهر الحزب على حقيقة مشروعه التدميري الآيل لتغيير وجه الجمهورية اللبنانية.. لذا القول بمنطق وبموضوعية: أين أخطأت 14 آذار في هذا المجال؟؟ وما هو المطلوب منها بعدما قامت بواجباتها؟؟
واستطراداً، قامت قوى 14 آذار بتقديم أكثر من مبادرة لإحداث خرق إيجابي في الملف الرئاسي، ولكن الفريق الموالي لحزب الله وبيت الأسد، زاد من عناده ضارباً عرض الحائط بأي إيجابية طرحتها 14 آذار.
أكثر من ذلك، قام مرشح قوى 14 آذار شخصياً وهو الدكتور سمير جعجع، بتقديم أكثر من طرح، وأكثر من مبادرة للخروج بحلول ناجعة، موجهاً النداء تلو النداء للجلوس والتحاور والنقاش، بحثًا عن شخصية مارونية تتقاطع بين فريقي 14 و8، إلا أنّ هذه النداءات لم تلق آذاناً صاغية، فعدنا إلى المربّع الأول من السجال الدائر حول الاستحقاق الرئاسي.
من هنا السؤال المحوري : أين أخطأت قوى 14 آذار في هذا الملف؟ وما هو المطلوب منها أكثر مما فعلت؟؟
* كيف ترون أنّ موضوع انتخاب الرئيس يصبح « ناضجاً «: توافق لبناني سعودي - إيراني - أميركي؟
- كان للبنانيين فرصة تاريخية قد تكون الفرصة الأولى منذ عقود لإنتاج رئاسة لبنانية تُعجن وتُخبز في لبنان وليس من صناعة أجنبية.. هذه الفرصة كانت متاحة قبيل انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان واستمرت لغاية الجلسة الأولى، ليصار بعدها إلى انحسار موجة التفاؤل بإنتاج رئيس لبناني بدون الإرادات الخارجية.. ولكن وصلنا اليوم إلى هذا المأزق وبتنا أمام حائط مسدود داخلياً، وهناك انعدام واضح لعدم اتفاق لبناني حول انتخاب رئيس، لذا اقتربت الطبخات الخارجية لإنضاج انتخابات رئاسية وتقدّمت على أي إمكانية محلية لانتخاب رئيس للبنان، إلاّ أنّ المشكلة لا تزال عالقة اليوم حول التوقيت المناسب لإنضاج هذا الاستحقاق، خاصة وأنّ التطورات المحلية والإقليمية متسارعة وبوتيرة مفاجئة بعض الأحيان.. وكل المعطيات الخارجية عبر القنوات الدبلوماسية تشير إلى عدم التوصل لاسم محدد حتى اللحظة، وإنّ الأجواء على هذا المستوى ضبابية غير واضحة المعالم.. لا بل أكثر من ذلك فإنّ الأسماء التي تتداولها بورصة الإعلام قد لا تكون هي الأسماء الجدية المطروحة، ولا يستغربنّ أحد من حصول مفاجآت على هذا المستوى..
وبكل وضوح وصراحة ولعدم التمويه والتنظير، أقول نعم هذا الاستحقاق انتقل من ساحة النجمة في بيروت، وطار إلى كلٍّ من الرياض وباريس وواشنطن والدوحة وطهران، وقد يكون التشابك الدولي - الإقليمي هذه المرة، أبعد من أن يصار إلى إحداث فجوة في جدار هذا الاستحقاق، ليس سهلاً الاتفاق على اسم بين هذه العواصم التي تتقاطعها مصالح وعداوات مشتركة.
وسأقول أمراً سبق لي أن ذكرته: لا يستغرب أحد إذا ما وصلت الأمور إلى حدّ انتخاب الدكتور سمير جعجع رئيساً للجمهورية اللبنانية في ظلّ أجواء وظروف قد تدفع باتجاه انتخابه، حتى من قِبل أطراف كانت تعارض حتى ترشح الرجل، وهذا الكلام ليس موقفاً سياسياً بقدر ما هو معطى سياسي للتطورات التي قد تطيح بكلّ ما هو شواذ.
* معروف أنك تنتقد العماد ميشال عون بشدة وتقول إنّ الانتقاد بسبب تغيير عون لمواقفه السابقة في ما يتعلق بالعلاقة مع النظام السوري ومع إيران. هل تعتقد موضوعياً أيضاً، أنّ لعون حظوظاً في الرئاسة كما يطمح مؤيدوه؟
- بداية سأحدد موقفي من انتقاد ميشال عون انطلاقاً من خصومة سياسية وليس خصومة شخصية، وابتعادي عن خط عون كان بسبب الخداع الذي حصل نتيجة الانقلاب بالمواقف فحسب، إنما تبيّن لي أنّ الرجل له امتدادات سورية وعلاقات مع رجالات نظام البعث منذ الثمانينات، وهذا ما يدفعني إلى القول إنّ الرجل لم يتغيّر إنما نحن من لم نتمكن من كشف حقيقة علاقاته، ناهيك عن الانقلاب الجذري في المواقف السياسية والسيادية التي تتناقض بشكل فاضح مع مواقفه السابقة والتي على أساسها بنى مجده الشعبي والشعبوي.. خذ مثالاً على ذلك مسألة السلاح خارج إطار المؤسسات الشرعية، فهو بعدما أعلن حرب «الإلغاء» ضد «القوات اللبنانية» في الثمانينات والتي أسماها حرب توحيد البندقية انطلاقاً من شعاراته بأن لا بندقية خارج بندقية الجيش اللبناني، نراه اليوم يقدّم سلاح حزب الله على ما عداه وذهب الرجل إلى أبعد من ذلك، ذهب إلى حدّ تقديس سلاح هذه الميليشيا والمطالبة ببقائه حتى إيجاد حلٍّ لأزمة الشرق الأوسط.
أما حول ترشحه لانتخابات الرئاسة، فهذا حق له، كون الرجل شأنه شأن أي ماروني آخر من حقه أن يترشح. ولكن المشكلة أنه لم يترشح بعد، ولم يعلن عن هذا الترشيح ولا نعلم إذا كان يملك برنامجاً أو لا، بالإضافة إلى أنّ حلفاءه حتى اللحظة لم يعلنوا عن رغبتهم بترشيحه للرئاسة، وهذه كلّها إشكاليات باتت متلازمة مع الرجل، ناهيك عن أنه كيف لماروني يحكى ويقال إنه راغب أو طامح للرئاسة، وهو يقاطع جلسات انتخاب الرئيس، هذا تناقض فاضح يسيء إلى صاحبه ويعرّض مصداقيته ويضعها على المحك، بحيث إنّ سلوك التعطيل وشلّ المؤسسات من المعيب أن يمتهنه من يسمي نفسه مرشحاً لرئاسة الجمهورية.
أما عن الحظوظ فهذا الكلام يصبح باهتاً، أي بمعنى إذا كان الرجل يحظى بفرصة وصوله إو عدم الوصول، مادام أنه لا يملك عدداً من المقومات التي تخوله لذلك، وقد ذكرتها آنفا».
* من برأيكم يصلح لرئاسة البلاد في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ لبنان والمنطقة؟
- شخصياً ومنذ أكثر من سنة رشّحت سمير جعجع خلال لقاء شعبي في زغرتا، البعض يومها استغرب هذا الترشيح، اليوم لدينا مرشح لقوى 14 آذار هو سمير فريد جعجع، هذا الرجل الذي يُعرف عنه صلابته ومواقفه الواضحة والصريحة، بالإضافة إلى أنه يحمل صفات رجل الدولة بكل ما للكلمة من معنى. بالإضافة، وهذا هو الأهم، أنه قادر على استعادة هيبة رئاسة الجمهورية، كما أنه قادر على التواصل مع جميع الأطراف والأطياف السياسية على اختلاف مشاربها.
أرى أنّ سمير جعجع رجل المرحلة وبإمكانه إحداث فرق كبير في الدولة عبر ضخّ روح المؤسسات وتفعيل دورها على كافة مستوياتها الأمنية والعسكرية والرقابية.
* معروفة مواقفك المنتقدة بشدة لحزب الله خصوصاً مشاركته في الحرب السورية. هل تعتقد جدياً أنّ الحزب قادر على الانسحاب من سوريا؟ وكيف؟
- انتقادي لحزب الله ليس فقط لدخوله بالوحل السوري، فهذا الحزب لديه مشروع خاص به يتناقض ومبادئ الدستور اللبناني، لذا دعنا نبدأ من هنا، من هنا تبدأ الإشكالية مع هذا الفصيل الذي يجاهر علناً بأنه جزء لا يتجزأ من منظومة ولاية الفقيه، وكذلك قبل انخراطه في لعبة الدم ليصبح شريكاً مع بشار الأسد، علينا التذكير دائمًا بأنّ خمسة من قيادييه البارزين متهمون باغتيال رئيس حكومة لبنان رفيق الحريري وهذا الاتهام ليس موقفاً سياسياً من الحزب، إنما هو اتهام قضائي صادر عن أعلى المحاكم الدولية، ليذهب السيد حسن نصر الله إلى أبعد من الاتهام، فهو ذهب إلى حدّ التهديد بأنه لن يسلّم المتهمين ولو بعد ألف سنة.. من هنا نقول بأنّ الأزمات التي يولّدها حزب الله لم تبدأ مع تورطه في سوريا، بل عمرها من عمر نشأة الحزب ودستوره الهادف لإنشاء جمهورية إسلامية. أما انسحابه من سوريا فهو مرتبط حتماً بقرار إيراني، والجهة التي أصدرت أوامرها لحزب الله كي يدخل وينخرط في الحرب السورية، هي نفسها صاحبة الأمر بسحبه من هناك.. إنّ أوامر الولي الفقيه لا نقاش فيها ولا جدال، من هنا حزب الله ينفّذ هذه الأوامر وليس هو سيّدها.
* اليوم هناك لاعب جديد في المنطقة (وفي لبنان ربما من خلال ما يجري في عرسال) هو المتشددون كداعش والنصرة. ويعتبر حزب الله أنه لولا مقاتلته المتشددين في سوريا لكانوا وصلوا إلى لبنان. ما هو رأيكم بهذا القول؟
- منذ اليوم الأول لتورطه في سوريا راح حزب الله يسوّق لهذه المعادلة «الخنفُشارية» والتي أظهرت الوقائع أنها غير صحيحة على الإطلاق، فهو بقتاله في سوريا استجلب التفجيرات إلى لبنان ومن ثم استجلب الانتحاريين، واليوم استجلب خطف العسكريين اللبنانيين وبالأمس استجلب اقتحامات وغزوات... وغداً وبعده وبعد بعده، لا ندري ماذا سيجرّ على لبنان من ويلات وحروب ومآس..
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم : برأي حزب الله لماذا داعش والنصرة لم تدخلا مثلاً إلى الأردن أو المغرب أو مصر أو موريتانيا؟؟ ألم يسأل نفسه لماذا هؤلاء يصوّبون تجاه لبنان؟؟ بالعكس دخول حزب الله إلى سوريا ورّطنا بأتون حروب وجرائم ومجازر وتفجيرات، بات من الصعب التكهّن بالنتائج التي قد يحصدها لبنان جراء هذا الأمر.
* هل تعتقدون أنّ الحكومة اللبنانية قادرة على تحرير العسكريين اللبنانيين المختطفين في جرود عرسال من قِبل داعش والنصرة؟
- قبل الإجابة على هذا السؤال، يجب طرح مسألة أساسية ألا وهي كيف تمّت عمليات خطف العسكريين؟؟ كيف وصل هؤلاء إلى عمق عرسال؟؟ وبالتالي هل تمّ فتح تحقيق بما حصل في عرسال، وهل تمّ تحديد المسؤوليات؟؟
الحكومة اللبنانية مسؤولة بشكل مباشر عن هذا الملف، وليس المطلوب منا كسياسيين إلى أي فريق انتمينا أن نزايد وأن نشرع بحفلة مزايدات حول أولادنا المختطفين، إنّ الحكومة اللبنانية مسؤولة ومطالبة بإيجاد الحلول المناسبة لهذه القضية التي لا تعني فريقاً سياسياً أو طائفة معينة، إنها قضية بحجم الوطن، ومن الضرورة بمكان إيجاد أي مخرج أو أي وسيلة لإنقاذ أولادنا من الأسر.
* في موضوع دعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية، هناك مبادرة خادم الحرمين الشريفين من خلال هبة الثلاثة مليارات دولار، ثم منحة المليار دولار التي أعلن عنها الرئيس سعد الحريري. أولاً ما هو تقييمكم لدور المملكة في لبنان، وهل ترون عراقيل لصرف الهبة بسبب عقبات سياسية معينة؟
- كلما صدرت انتقادات للمملكة العربية السعودية خاصة من بعض المسيحيين، أسأل هؤلاء هل تعلمون عدد العائلات المسيحية التي عملت وتعمل في السعودية؟؟ هل تعلمون حجم المساعدات التي وصلت إلى لبنان منذ العام 1975؟؟
ليس جديداً على المملكة مساعداتها للبنان، والهبة ليست مزحة ولا هي من أجل غايات خاصة، السعودية لطالما آمنت بلبنان قويٍّ سيّد حرٍّ.. والمملكة وقفت إلى جانب لبنان، بعكس دول أخرى احتلت لبنان ودمرّته واعتقلت أبناءه وزجّت بهم في السجون.. إنّ مبلغ الهبة هو الأعلى بتاريخ لبنان وعلاقاته الخارجية، وهنا أريد أن أثمّن دور الرئيس سعد الحريري وخط الاعتدال الذي يمثله في ظلّ الغابة من التشدّد والأصوليات في المنطقة.
النوايا في صرف الهبة حسنة والقافلة تسير باتجاه شراء وتزويد الجيش اللبناني بالمعدات والأسلحة اللازمة والمسألة مسألة وقت ومسار إداري ليس إلا.