أحببتُ أن أختزلَ هذا المقال بعد عام من وفاة العلّامة الشيخ أحمد الدوغان -رحمه الله- بعيداً عن زحام المقالات والمراثي التي تحدثتْ عن علمه وورعه وزهده وعبادته، بمقال له زاوية خاصة تميّزت في هذا العالم الجليل وهي توجّه الشيخ وتطلّعاته، مع تعامله الأخلاقي مع كل مخالف..
الشيخ أحمد الدوغان كان بداخله صوت يقول «حياتي للعِلم.. للعلم فقط، سأتخطّى كل عثرة تقفُ في سبيل العلم»، نعم كان هذا الهدف وكانت هذه المعاملة، فالهدف هو العلم والمعاملة هي تخطي كل عائق يقع عثرة حجر في سبيل العلم؛ حتى حقق بذلك الهدف وأسس مدرسته الشافعية وحقق المعاملة فمات دون أن يكون له أعداء، وشهد على ذلك مشهد جنازته ومجلس تعزيته الغفير والذي تنوّع بحضوره تعدد الأطياف والمذاهب..
الشيخ أحمد الدوغان كان يوصي تلامذته بالبعد عن كل مخالف وعدم التواجه معه - ليس انهزاماً، بل نصرةً للعلم -
الشيخ أحمد الدوغان لم ينسب نفسه لجماعة أو طائفة أو طريقة صوفيّة، إنه ينتمي للإسلام والمسلمين فقط، مذهبُه العلم وطريقته العلم، ولم ينتهج إلا السلام مع الجميع والمسالمة مع الضد..
إن من أجمل ما انتهج به الشيخ أحمد الدوغان - رحمه الله- هو الوضوح في طريقته والشفافية في معاملته، فكان يقيم دروسه في الجامع أمام مرأى الجميع، ويفتح باب مجلسه للجميع حتى كانت من أروع عبارته - والتي قالها لأحد طلابه في سيّارته -: «منهجنا كشمس السماء، ومثل هذا الطريق في الأرض».
عندما كان الشيخ أحمد الدوغان إمامًا للجامع وبكونه شافعي المذهب الذي يرى أصحابه الجهر بالبسملة قبل الفاتحة كان الشيخ يجهر بالبسملة حسب مذهبه الفقهي الذي أخذ عنه، حتى وقف أحد الناس بعد الصلاة مستنكراً - بتهجّم - على الشيخ بجهره للبسملة وأنه مبتدع و و و..، وبعد انتهائه لم يزد عليه الشيخ سوى الابتسامة..
إنّ الشيخ أحمد الدوغان كان له هدف أسمى يرنو للوصل إليه دون الوقوف في محطّات الخصام والجدل التي تُبطئ عجلة التقدم، وهو التقدم العلمي الذي كرّس حياته له من أجله، الشيخ يسير إلى الأمام فقط..
إن الشيخ أحمد الدوغان كان يمقت أيّ تفرقة بين المسلمين ولم يُذكر عنه أنه انتقص جماعة أو طائفة أو بلد أو قبيلة، وممّا أذكرهُ عنه - على المستوى القبلي - أن جاءه أحد أحفاده يسأله قائلاً: هل صحيح أنّنا نرجع لقبيلة كذا من فَخذ كذا؟! فأجابه الشيخ وفي نَفَس صوتِه شيء من الغضب: «نحن نرجع للتُّراب»... هو يعلِّمُ حفيده أن يجعل هدفه أسمى من ذلك في حياته.. ماذا سيقدم النسب في حياته أو يؤخّر!!
الشيخ أحمد الدوغان - رحمه الله- كان مثلاً يحتذى به في تذويب الخلافات وتمييع المشادّات حتى سارَ إلى هدفه بعينين لا ترى الجوانب..
رحمه الله رحمة واسعة.