لم يتوقف السؤال عن سبب تخلّف المسلمين منذ استفاقوا على تفوق الغرب ونهضته، وتلحّ عليهم بالسؤال المٌلحّ الموجع، لماذا تفوّقوا علينا؟ ولما كنٌا متفوّقين عليهم؟ لماذا تقدم الغرب وتأخر المسلمون؟ سؤال جريء وخطير، بل هو أهم الأسئلة التي يجب أن نوجهها إلى أنفسنا، وهذا السؤال اليوم يزداد إلحاحًا وأهمية في ظل التحولات الكبرى الجارية في العالم، والتي تغير كل شيء تقريبًا، والتي تفرض فرصًا وتحديات جديدة تمكّن الأمة من السيطرة على الفجوة الحضارية مع العالم، أو تزيدها وتدفع بها من جديد إلى مزيد من التخلف والانحسار.
يمكن بالطبع ملاحظة الكثير من مظاهر العجز والتخلف لدى الأمة المسلمة، وهي على قدر من الكثرة والخطورة يجعل التفكير في النهضة والإصلاح، ورسم اتجاهات العمل، وتحديد الأولويات والأهداف أمرًا في غاية الصعوبات والتعقيد، ويصدق فيها القول « الفتّق أكبر الرّتق».
فالمسلمون لم يعودوا أمة واحدة، ولكنهم دول كثيرة تتنازع أحيًانا كثيرة، وهم على درجة من التفرق والاختلاف، وتضارب المصالح تجعل مؤسسة المؤتمر الإسلامي، والجامعة العربية في حالة تدعو إلى الرثاء والشفقة.
وبرغم مرور عقود طويلة على استقلال الدول الإسلامية، ورغم مواردها وإمكانياتها الطبيعية والبشرية فإنها لا تزال في موقع متدن في سلمّ التنمية البشرية، ومن أكثر مؤشرات التنمية والإصلاح رٌعبًا هي المستويات المتدنية للتعليم، والتبعية في مجالات أساسية واستراتيجية كالغذاء، والدواء والتقنية، والأمن والدفاع، وأنماط الحياة والاستهلاك.
ويشغل الإسلام بقعة أرضية تبدو على الخريطة مثل الحزام العريق الذي يمسك بخصر العالم القديم، ولكن هذا الكيان الكبير جغرافيًا وتاريخيًا وحضاريًا وإستراتيجيًا لا تربطه سكة للحديد، وطرقات برية واسعة ومناسبة، وشبكات إقليمية للكهرباء وأسواق مشتركة واتفاقيات جمركية وتشريعية، ولا تتدفق فيه العمالة والأموال والاستثمارات والسلع بحرية وسهولة، بل إن كل دولة من دوله تبني علاقاتها ومصالحها وفق رؤية صغيرة وضغوط عالمية واعتبارات شتى، وفي الوقت الذي استطاعت فيه الهند والصين بناء قاعدة اقتصادية وتنموية وإنجاز نمو اقتصادي مضطرد، فإن الأقاليم العربية والإسلامية ما زالت تعاني من العجز وضعف التنسيق، وتعمل كل دولة منفردة وتواجه الديون والتضخم وضعف مستوى وأداء الخدمات الأساسية.
أرجع الدكتور مهاتير محمد الذي يعد باني النهضة الماليزية الحديثة أن التخلف والضعف الذي تعيشه الأمة الإسلامية إلى «التشرذم» الذي استطاع الاستعمار أن يزيد من حدتّه، وأن حالة التخلّف هذه ستبقى طالما بقي المسلمون في تفرقّ وتشتت، فالأمة بحاجة الآن إلى أن تركّز على الوحدة ومشروعها، وتكون قضية محورية بين المسلمين.
وحين تراجع المدّ العلمي للأمة تراخت حضارتها وترهّلت؛ فالأمة الإسلامية تعيش معضلة إزاء تلك القضيّة، فهي تقف بين تيار التغني بأمجاد الماضي، والتقوقع على إنجازات إسلامنا، وبين تيار الاستلاب والتغريب الذي يدعو إلى مجاراة الحضارة الغربيّة، وبين التقوقع والاستلاب ضاعت الحقيقة، وتراجع دور المسلمين، والمطلوب منا أنْ نحقّق التوازن بين التحصن بالذات والحفاظ على ثوابتنا، والاستفادة الواعية من تراثنا، وبين التفاعل الإيجابيّ مع العصر من حولنا.
ويبقى السؤال ماثلاً وملحًا: هل يعود تخلّف المسملين إلى أسباب سياسية من عجز وضعف العمل الإقليمي بين الدول العربية والإسلامية، أم هو اقتصادي وتنموي وتقني يعود إلى العجز عن توفير المنتجات والصناعات والأسواق، وتحقيق الرفاه والاحتياجات الأساسية للمواطنين، أم هو تعليمي وثقافي وفكري، أم هو مجموع ذلك كله، أم هو تفاعل وليس مجموعًا بين الظروف والمعطيات السياسية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي ينتج متوالية معقدة يصعب حسابها وتقديرها من النتائج والخسائر؟!
السؤال نصف الإجابة، لكنه نصف لا قيمة له أيضًا بلا إجابة!؟
والأهم من ذلك أن نجيب عنه بصراحة وصدق وأمانة وبدون تمييع أو خوف، إننا متخلفون!!
إننا اعتدنا على الدخول في معارك وصراعات فكرية وثقافة جدلية تزيد من ضعفنا وتفرقنا، وصرنا فرقاء، ولسنا أبناء وطن واحد يعاني من مشكلات أساسية ومعروفة، ولكننا نسينا مشكلة التخلف! ولجأنا إلى الصراع الفكري المذهبي، وإلى التقاتل بالمسلمات، وهذه أحطّ صور التخلف على الإطلاق!