في ساعات معيّنة من كلّ أُسبوع، يجتمع الكبار والصغار حول التلفاز لحضور برنامج غنائي أو بالأحرى برامج! التي أصبحت في ازدياد ملحوظ في كل عام، حتى أكاد أراهن أنها في السنوات القادمة المقبلة ستحتل غالبية أيام السنة، نحن نزعم أن توجهنا لهذا النوع من البرامج هو من باب التسلية والترفيه - على الوجه الظاهر- لكنّه في مكنُونه الحقيقي هو لمضيعة الوقت والفِكر في آنٍ واحد، التسلية والترفيه هي مجرّد (خدعة) ابتكرها أصحاب الغزو الفِكري ونحن بكل بساطة صدّقناها بل وانجرفنا وراءها،
إذا سمعنا مثلاً عن منطقة أو مدينة تم غزوها واقتحامها من قبل أعدائها نعُدّها كارثة! ولكننا للأسف لم ندرك بَعد أن الخطر الأكبر والمصيبة العظمى هو عندما «تُغزى العقول» وتصبح عقولنا كالكُرة تتأرجح بين أيدي مُخّربيها يوجهونها حيث أرادوا ومتى ما رغبوا!
الأمة لا تشعُر أن هذه أساليب لسلب العقل بل هي -ألاعيب- خفيّة وسريّة كَي يتم الاستيلاء على فِكرنا، و يشغلوننا ويبعدوننا عن ما هو أهم وأسمى!
فبدَل أن يكُون اهتمامنا منصباً على قضايَا الأمّة العربية والإسلامية، وعن أهدافنا ومسؤولياتنا تجاه مالنا وما علينا، تجدْنا ننشَغل في الحديث عن ما يدور بين المشتركين وشغلنا الشاغِل في فترات عُروض البرامج من سيربح ومن سيخسَر،لمن البقاء ومن سيغادر! في الوقت الذي يجب علينا أن نفكر كيف نُحاول أن ننصر المُستَضعفين في بلادنا المحتلّة! وفي حين أنه علينا الالتفات للمشرّدين واللاجئين الذين غادروا بلادهم!
البعض يهدر أمواله في التصويت حتى لا يخسر متسابق! ويتكاسل في التبرّع لإنسان على وشك خسارة أمواله وسكنه!
تقِف فتاة على مسرح الغناء وتغنّي.. يصرخ الجمهور إعجابا بصوتها وبحرارة يصفقون، وحينما نسمع صرخَات طفلة تقف على مسرح الجرائم والأعداء يقصِفون..
تجد الصمت يعمّ الأرجاء وحركتنا راكدة هامدة! أذهاننا أصبحت مُغيّبة تماماً عمّا يدور حولنا بسبب انغماسنا في السخافات!
قد يتبادر إلى الأذهان أنّ حتى البلاد الغربية لديها برامج كثيرة ومتنوعة ومع ذلك هي متقدمة ومتطوّرة! لكن هذا النوع من التفكير يدل على رجعيته، لأن بلاد القوة التي تحترف الغزو لن تخشى أحدا من أن يغزي فكرها! والمُحتال يعلم جيداً ما هي الإجراءات المُتّبعة حيال ألاعيبه! فلن يُخدَعوا بهذه السهولة! والقوي لا يهاب الضُعفاء!
وأيضاً في الواقع بلادنا العربية خاصة في الآونة الأخيرة وصَلَت إلى حالة هوان! والمنازعات والحروب الداخلية تزيد من تفكك وحدتنا العربية، فلن يُصيب بلاد الغرب الذعر والفزع منّا بل على العكس هم يحاولون إبعادنا بشتّى الوسائل والطرق عن قضايانا.
فإذا كُنّا منسيين من القضايا المتعلقة بعروبتنا فهل يُعقَل أن نلتفت لقضايا الغرب! أو حتى التفكير في خوض التحدّي معهم! ومن ثم هل من المعقول أن تهابنا البلاد الغربية! ومن أسهل الطرق إلى استعملتها طريقة (الغزو الفكري) ولاقت نجاحاً مُبهراً في تحقيق مبتغاها، بل وسهّلنا عليهم مهمّة الغزو والسيطرة ليس بالبرامج الإعلامية وحسب بل وحتى في طريقة لبسهم وتفكيرهم ومعيشتهم وغيرها.. والخروج من الهويّة إلى التبعيّة من خلال انقيادنا لهم وانبهارنا والتشبّه بهم وحتى المفاخرة بتقليدهم! ولا نستبعد أن نكون واقفين في صفّهم بلا شعور منا!
ويبقى السؤال التائه.. ما الهدف من التوجهات اللاهادفة؟!