وصف رحلته في كتاب (الدرر الفرائد المنظمة في أخبار وطريق مكة المعظمة) والذي نشرته دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر سنة 1403هـ ومؤلفه «عبدالقادر بن عبدالقادر الأنصاري الجزيري الحنبلي» من أهل القرن العاشر الهجري.
لقد اهتم بأمور الحاج وأخباره خلال عشرة قرون ووصف طريق الحج إلى مكة المكرمة وحرص على تدوين وتحقيق كل ما يتعلق بالحج إلى بيت الله الحرام، ومن ذلك الطريق المؤدية إلى مكة المكرمة من مختلف الأقطار الإسلامية، ولعل أوفى ما كتب من وصف الطرق هو ما يتعلق بطريق الحج من القاهرة إلى مكة المكرمة عن طريق سيناء، فالعقبة، فساحل البحر الأحمر إلى ينبع، فالمدينة المنورة، فمكة المكرمة.
وهذا الكتاب كما يقول محققه الشيخ حمد الجاسر، شامل كاسمه في أخبار الحج وطريق مكة المعظمة، وقد تضمن وصفاً لرحلات مؤلفه من القاهرة إلى الحج بطريق الساحل، فهو من هذه الناحية يدخل في نطاق رحلات الحج، وقد قدم للكتاب بمقدمة طويلة تحدث فيها عن الكتاب ومخطوطات الكتاب وطريقة النشر.
ويعد هذا الكتاب أوفى كتاب عن أخبار الحاج والحجاج خلال عشرة قرون، أوفى الكلام فيه على ما يتعلق بإمارة الحج في آخر عهد ملوك الجراكسة (المماليك) وأول عهد العثمانيين إلى ما بعد منتصف القرن العاشر الهجري، ووصف طرق الحج إلى مكة المكرمة وفصل الكلام بصفة خاصة على طريق حاج مصر، ومن يأتي مع ذلك الطريق البري من القاهرة إلى مكة المكرمة مجتازاً بصحراء سيناء إلى العقبة في الأردن، فساحل البحر الأحمر إلى ينبع في السعودية فضبط أسماء المواضع وحدّدها، ووصف المناهل (المياه)، وقدّر المسافات بينها، وسمي العرب بتفصيل بطونهم وأفخاذهم، وذكر بعض مشاهيرهم، ودوّن بعض الحوادث المتعلقة بأولئك في ذلك العهد، وكان في كل أولئك يعتمد على مشاهداته وما عرفه عن ذلك الطريق الذي أكثر الترداد في السير فيه. وعلى هذا فتكون هذه الرحلة قد زخرت بمعلومات تاريخية واجتماعية واشتملت صنوفاً وفنوناً من القول في هذا المجال ومعلومات مفيدة.
ويعد الكتاب أيضاً سجلاً لحوادث حقبة من الزمن، حيث سجّل فيه جوانب مهمة وافية تتعلق بتاريخ مكة المكرمة وحوادث الحج، وصوّر كثيراً من المآسي التي كانت تقع من عمال الخلافة العثمانية مما شاهده المؤلف بنفسه أو علمه لقوة صلته بهم مما قل أن يوجد في غير هذا الكتاب كما يقول محقق الكتاب.
وقد ألِّف هذا الكتاب في عصر اتسم بالجمود الفكري وانتشار البدع والخرافات في العالم الإسلامي، وقد نبّه عليها الجاسر في الحواشي.
ويعد الكتاب وثيقة تاريخية لدارسي التاريخ؛ حيث تحدث عن أخبار الحاج وطريق مكة المكرمة ويعد فريداً في موضوعه كما يقول ناشره الشيخ حمد الجاسر، وضم الكتاب سبعة أبواب وواحداً وثلاثين فصلاً ومقدمة في ثماني صفحات، وقد حوى الباب الأول سبعة فصول، وفيها ابتدءا بيت الله الحرام وفضله وشرفه، وما ورد في فضائل الحج والعمرة، وشرائط وجوبها، وفي أخبار مكة وما كان بها من قبائل العرب، وفضل العرب وأقسامهم، وولاية قريش للكعبة، وأسواق مكة.
وحوى الباب الثاني أربعة فصول وفيها: كيف حج رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر إمرة الحاج وبيان ما يجب أن يتصف به الأمير، وذكر المناصب التابعة لإمرة الحاج.
واحتوى الباب الثالث فصلين طويلين وهما في فتح مكة المشرفة، وفي ذكر من ولي إمرة الحاج منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عام 972هـ، وأهم حوادث مكة المكرمة مرتبة على السنين، وذكر أحوال الحج والحجيج متتابعة على السنين من عام 901هـ حتى نهاية 972هـ مع ذكر الحوادث بالديار المصرية والقاهرة.
ثم الباب الرابع وفيه ثلاثة فصول: في تجهيز الحمول وما جرت العادة بحمله من ذلك بطريق الحج الساحلي: الطور - السويس - عقبة إيله (العقبة) - ينبع - جدة.
الباب الخامس وفيه ثمانية فصول وهي في ذكر المنازل والمناهل على وجه التفصيل، وقياس المسافة بين مكة وغيرها من البلدان بالبرد والفراسخ، وذكر طوائف العربان منزلاً بمنزل ومنهلاً بمنهل، وبدر ومن بها من الشهداء، والإحرام من رابغ، وما يجب شرعاً من المناسك وما يستحب، وذكر محظورات الإحرام، وفيها ذكر مكة المشرفة وحدود الحرم، وذكر أمراء مكة وذكر ولاتها منذ الفتح الإسلامي وبعض الوقائع التي حدثت فيها، وذكر بقية المراحل من المدينة إلى غزة أو مصر.
الباب السادس وضم ثلاثة فصول، وهي في ذكر المدينة المنورة وأسمائها ومشاهدها ومعاهدها، وذكر الهجرة النبوية، وذكر بقيع الفرقد، وفضل أحد والشهداء به، وذكر سور المدينة، وفي فضل زيارة مسجد النبي وما ورد في ذلك.
الباب السابع وهو خاتمة الأبواب، وفيه أربعة فصول تبحث في ذكر بعض من حج من الأعيان ومن الصحابة، والخلفاء والملوك والوزراء وأكابر الأمراء وأماثل العلماء والصلحاء، وأجلاء الفقهاء والكتّاب، ومشايخ العربان ممن له شهرة في ذلك الزمان، وألحق الناشر بالكتاب فهارس حاوية لموضوعات الكتاب.
وقد ترجم للمؤلف قائلاً: هو عبدالقادر بن محمد الأنصاري الجزيري (نسبة إلى الجزيرة الفراتية بالعراق): مؤرخ مصري مغمور، ولد سنة 911هـ، وكان في أول أمره يتعاطى التجارة مع اشتغاله بطلب العلم، وكان يحج مع أبيه مساعداً له، وفي سنة 940هـ، عمل مع أبيه في وظيفة كاتب (ديوان إمرة الحاج) حتى توفي أبوه، فاستقل بعده في العمل حتى قارب الخمسين عاماً ووضع القواعد التي يعتمد عليها في أمور الحاج ومهماته، وصحب الحاج كثيراً، وكان حنبلي المذهب، وكانت له صلة قوية بعلماء مكة، وتوفي نحو عام 977هـ من مؤلفاته (خلاصة الذهب في فضل العرب) و(عمدة الصفوة في حل القهوة).
ولقد حرص الناشر أن يخرج الكتاب على خير صورة يستطيع إبرازه بها تتفق مع عمل مؤلفه، فحاول التثبت من صحة ما فيه من نصوص.
وبالجملة فإن جهد محقق الكتاب وناشره كان كبيراً وموفقاً فالكتاب حافل بما سجله في ثناياه من الشواهد والانطباعات، وحوى وصف طريق الحج وأخبار الحاج وذكر العلماء والأمراء وذكر أحوالهم وأقوالهم وأفعالهم وذكر من حج من الصحابة والخلفاء والملوك وبناء البيت العتيق وشرفه ومعنى الحج والعمرة وما يتعلق بالشروع فيها وذكر من حج من الملائكة والأنبياء وأخبار مكة ومن كان بها من قبائل العرب كما تحدث عن مِنى، وعرفات والمشاعر وإمرة الحاج ورواحل الحجاج وغير ذلك من الأمور المتعلقة بالحج والحجاج وأهم الحوادث في مكة المكرمة مرتبة على السنين، وغير ذلك من المعلومات المفيدة التي لا يستغني فيها أي باحث في هذا المجال.