07-10-2014

الحج واجب على الفور

الحج فريضة من فرائض الإسلام وأحد مبانيه العظام. قال تعالى:

{وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - (أيها الناس إن الله قد كتب عليكم الحج فحجوا......).

ومن توافرت لديه شروط وجوب الحج وهي: البلوغ والعقل والاستطاعة البدنية والمالية والمحرم بالنسبة للمرأة تعين عليه الذهاب للحج فورا بلا تراخي، وهذا ما عليه جمهور العلماء، وهو ما تؤيده النصوص الشرعية من الكتاب والسنة ويتفق مع مقاصد الشريعة التي تهدف إلى براءة الذمة والمسارعة في فعل الواجبات الشرعية.

ومما يدل على المبادرة بأداء هذه الفريضة قوله - صلى الله عليه وسلم - (تعجلوا إلى الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له).

وقد كثر في العصر الحاضر من يسوف في أداء هذه الفريضة ويؤجل السفر للحج من غير عذر، ولا شك أن هذا مفرط وربما يأتيه أجله دون أن يؤدي ما فرض الله عليه، فيكون قد ترك ركنا من أركان الإسلام مع القدرة عليه، وما كان تأخير الرسول صلى الله عليه وسلم الحج عن العام الذي فرض فيه إلا بسبب انشغاله باستقبال الوفود أو لأمر آخر إذ لا يمكن أن يخالف قوله فعله.

والحج وإن كان وقته موسعا وهو العمر كله إلا أن ذلك لا يعني التسويف به وتأجيله مع القدرة عليه، فالمسلم يغتنم وقت قوته ونشاطه وشبابه واستطاعته المالية فيؤدي هذه الفريضة براءة لذمته، فقد يكون التأخير مع القدرة سببا في تعطيلها لما قد يعرض له من موانع في المستقبل فيأثم بتفريطه في الأداء، وهو ما يفيده معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ( اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك وصحتك قبل مرضك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك ).

ومما يحز في النفس ويثير العجب أن من الناس من يقدم فسح الحياة وكمالياتها على الحج ثم يعتذر بعدم القدرة المالية وهذا من الجهل وعدم الفقه في الدين ،فالحج واجب على الفور للمستطيع ولا يمنعه إلا الدين الحال الذي ثبتت به المطالبة فيقدم سداد دينه فإن بقي ما يكفي لحجه فعل وإلا فهو معذور، لأن الدين حق آدمي وحقوق العباد مبنية على المشاحة أما حقوق الله فمبنية على المسامحة.

وإن كان سفر السياحة مباحا فالسفر للحج مع القدرة عليه أولى منه وفعل الواجب مقدم على المباح، وكم من نفس ندمت على تأخير الحج والتسويف به حين أصبح الإنسان غير قادر عليه إما لعجز أو مرض أو قلة ذات اليد بعد أن فوت عليه وقت شبابه وقوته وقدرته، فحج عن نفسك يا عبد الله قبل أن يحج عنك (وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجرا).

والواجب الموسع في الشريعة قد يتحول في يوم من الأيام إلى واجب مضيق لا يتمكن المسلم معه من الأداء بسبب تقصيره وتفريطه، فما دمت في وقت السعة والمهلة فبادر بأداء ما أوجب الله عليك لتقر به عينك وترضي به ربك قبل (أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله).

واعلم أخي المسلم أن التسويف والتواني في أداء ما فرضه الله عليك إنما هو من عمل الشيطان الذي قطع على نفسه عهدا لإغواء بني آدم إلا المخلصين منهم، فكن من أولئك المخلصين، ولا تؤجل عمل اليوم إلى الغد فخير البر عاجله.

وفي هذا المقام نتذكر قول علي - رضي الله عنه - (من ملك زاداً وراحلة تبلغه إلى بيت الله الحرام ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا). وقد روي مرفوعا وموقوفا والموقوف أصح، ففي هذا الأثر حث على المبادرة إلى أداء هذه الفريضة مع توفر شروطها.

أما إن كان تأخير الحج لمصلحة راجحة كوجود رفقة طيبة، أو لتعلم مناسك الحج أو نحو ذلك فلا بأس مع عقد العزم على الأداء إذا حصل له ما أراد، فإن المصالح في الشرع معتبرة، و من يعبد الله على بصيرة ليس كمن يعبده على جهل.

فما عذرك يا عبد الله أمام الله وقد تركت فريضته بلا مانع شرعي إلا إتباع الهوى والله تعالى يقول ( ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله).

أما نصيحتي لمن يريد الحج فأقول :

1- أخلص النية لله في حجك فإنما الأعمال بالنيات.

2- أكثر من التلبية بعد إحرامك وسائر الأدعية والأذكار.

3- عليك السكينة والوقار في سائر تنقلاتك بين المشاعر.

4- استشعر العبادة وأنت في محل إقامتك بالمشاعر وإياك والغفلة.

5- إياك والجدال والخصومة واللهو والمزاح المفرط حتى لا ينقص أجرك.

6- تعلم خلق التعاون والإيثار وكن باذلاً لهما فإخوانك الحجاج بحاجة إلى ذلك.

7- أحسن الظن بغيرك وإن قصروا معك فلعل له عذر وأنت تلوم.

8- اختر الأوقات المناسبة لأداء النسك حتى تتلافى الزحام.

9- اختر من يصاحبك عند ذهابك لأداء النسك، فالصاحب معين بعد الله.

10- إذا أشكل عليك حكم فلا تتردد بسؤال أهل العلم الذين كلفوا لخدمتك.

11- إلزام جانب الشكر دائما ولا تقنط حتى وإن أصابتك مشقة.

12- احرص على تمام النسك ولا تعجل حتى لا يبادرك الشك.

13- إن كنت متمتعاً فقصر للعمرة واجعل الحلق للتحلل من الحج.

14- احرص على الالتزام بالوقت في الأداء فلا تخرج من عرفة قبل الغروب، ولا من المزدلفة قبل منتصف الليل إن كنت من أهل الأعذار.

15- اعلم أن التحلل الأول يحصل بفعل اثنين من ثلاثة وهي (رمي جمرة العقبة، الحلق أو التقصير، طواف الإفاضة مع السعي).

16- الرجم في أيام التشريق بعد الزوال، نظراً لزوال الحاجة إلى تقديمه.

17- يوم عرفة يوم الحج الأكبر فلا يفوتك فضله فأكثر فيه من الدعاء.

18- إن كنت على معصية فهذا أوان التوبة، فالحج المبرور مكفر لما قبله

19- لا تنس الدعاء لوالديك في تلك المشاعر، فخصهما بأفضله وأجزله.

20- يجوز أن تؤخر طواف الإفاضة وسعي الحج بعد انتهاء مناسك الحج ويكفيك عن طواف الوداع. فالحج مبناه على التيسير.

21- اعلم أن الهدي واجب على المتمتع والقارن، أما المفرد فلا هدي عليه

22- اجعل آخر عهدك بالبيت الطواف.

حجاً مبرورا وسعياً مشكورا وذنباً مغفورا.

dr-alhomoud@hotmail.com

الاستاذ بالمعهد العالي للقضاء

مقالات أخرى للكاتب