في جميع الثقافات وعلى مر العصور تُعبر المصطلحات الدارجة في زمن معين عن ثقافة ووعي ذلك المجتمع، حيث تستخدم تعبيرات لا تعني في بعض الأحيان المعنى الحرفي لها ولكن درج الناس على استخدامها لأنها تعبر عن ثقافة سائدة نابعة من معتقدات وفكر ونظرة ذلك المجتمع في تلك الحقبة الزمنية.
إن الربط بين اللفظ والمفهوم هي قضية حضارة وثقافة فالكلمة لديها القدرة على إيصال المفهوم المقصود بما يضمن شعور مستخدميها بالارتياح لذلك اللفظ.
لقد استوقفتني الكثير من المصطلحات الدارجة والمتداولة بشكلٍ كبير بين الناس في مجتمعنا، ووقع اختياري على ثلاث مفردات تتعلق بالحلقة الأضعف في المجتمع ألا وهن النساء. جميع هذه المصطلحات شائعة بيننا بشكل كبير وتحط من قدر المرأة ويندر استخدام غيرها، هذه المفردات هي:(كلمة حريم، وكلمة مِلْكة، وكلمة شَبْكة).
1/ كلمة حريم: كلمة ليست عربية في الأصل ولم ترد في القرآن الكريم فهي كلمة تركية نقلت للعربية أبان الاحتلال العثماني، مفردها حرمة وتعني حرام وهي من الأشياء المحرمة أو الكثيرة الخصوصية، وقد كان يطلق على الزوجات والجواري في الحرملك التركي أو حريم السلطان فالحريم يشملون «العبيد المسخرين لخدمة السلطان».
وفي لغتنا الوطنية تعني كلمة الحريم أو حريم الرجل ما يدافع عنه ويحميه وتحديداً تعني النساء الذي يكون الرجل مسؤولاً عنهم حيث يكون هو المحرم وهن الحريم!!.
على الرغم من أن كلمة حريم لم تستخدم في القرآن كإشارة للمرأة، بل كُرّمت المرأة وذكرت بمسمى النساء أو أمهات المؤمنين، وهناك سورة كاملة في القرآن باسم «سورة النساء» وليست سورة الحريم!.
قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ}»
2/ كلمة مِلْكَه: درج هذا المصطلح بشكلٍ كبير ولا يقبل للجدل ويقصد به «عقد القران»بين المرأة والرجل، والمعنى لكلمة ملْكَة تعني التملك والامتلاك وكأن المرأة متاع سيتم نقل ملكيته من ولي أمرها القديم (والدها) إلى ملكية ولي أمرها الجديد (زوجها).
فحسب اللفظ عندما نقول اليوم ملكة فلان على فلانة، أو تقول البنت اليوم ملْكَتِي !تعني بالمعنى الحرفي لها أن ملكيتها ستنتقل وكأنها سلعة تباع وتشترى ويتم امتلاكها من قبل الرجل وكأن العلاقة ستصبح بين (عبد وسيد)، أو (مالك ومملوك)، وكأن الزوج سيتملكها وستصبح جاريته أو ما ملكت يمينه حيث إن حريتها قد تمت مصادرتها بتلك (المِلْكَة).
إن تلك المفردة شائعة بشكلٍ كبير والملاحظ أن هناك لذة واستمتاع في لفظها من قبل الفتيات السعوديات، والجدير بالملاحظة عدم وجود هذه المفردة أيضاً في القرآن، بل ذكرت كلمتي «الزواج والنكاح» لتعني (عقد القِران).
قال تعالى {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ}....»، {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا}»فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها»، {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ}. فلفظ (عقد نكاح) أو (عقد قران) أو(عقد زواج) له وقع أجمل على المشاعر وعلى القلب والعقل، فلفظ عقد تعني المساواة والاتفاق بين طرفين متكافئين، ولكن مِلْكَة تعني السخرة وعدم المساواة وعلاقة (عبد وسيد) و(مالك ومملوك).
3/ كلمة شَبْكَه: تعني الكلمة شباك الصيد أو حبال الصيد وشَبَكَهُ بمعنى اصطادهُ.
هذه المفردة أيضاً مصطلح شائع تعني الهدية أو المهر الذي تقدم للزوجة من قبل الزوج، ومعناها اللغوي هو اصطياد المرأة في الشِباك وكأنها فريسة حيوانية. يكرس هذا المفهوم الثقافة الذكورية السلطوية للاستحواذ على المرأة لتصبح في متاعه، لم يشر إلى هذا المصطلح أيضاً في القرآن على الإطلاق بل ذكرت الهدية في القرآن بعدة ألفاظ مثل كلمة «نِحلة» و»قنطاراً» و»أجورهن «وجميعها ترمز إلى المهر أو الهدية. قال تعالى {وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}، {وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا}...» {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً}.
إن اختيار المصطلح يعبر بشكلٍ واضح عن ثقافة مجتمعية ذكورية ينظر فيها للمرأة بأنها من ضمن أملاكه مثل أي جارية أو سلعة، والجدير بالملاحظة أن المرأة هي التي تستخدم في الغالب هذه المفردات بدون التفكير بمعناها وما تتضمنه من امتهان لكرامة المرأة وإنسانيتها.
إن العلاقة الزوجية علاقة مقدسة تقوم على المساواة والتفاهم والمحبة والتقارب وعلى تهذيب الألفاظ التي هي نتاج الثقافة السائدة. إن القضية هي قضية حضارة ووعي وإدراك بالممارسات المجتمعية التي تعبر عنها الألفاظ الدارجة. فلنرتقي بألفاظنا ونستبدلها بألفاظٍ أكثر حضارة ورقي وتطور، فبالمعاني الجميلة تزدان الأخلاق وبالأخلاق ترتقي الأمم.