أتابع المقالات عن زكاة الأراضي؛ وبالذات مقالات الدكتور حمزة السالم؛ وتعليقا على تصوري حول تلك المقالات أقول:
حينما تناول الناس موضوع رسوم الأراضي؛ داخل النطاق العمراني؛ اختلفوا حول جدوى الرسوم؛ والسؤال بلا إجابة واضحة؛ هل ستخفض أسعار الأراضي أم لا؟!
نسبة نزول العقار الذي يتحدث عنها أهل الاقتصاد وغيرهم؛ لا تختلف عن دور مخفض حرارة المريض؛ الذي لا يرجى شفاء مرضه؛ بل لو نزل العقار لسبعين بالمئة في بعض المناطق؛ فلن يستفيد منه أغلب من ينتظر الضربة الموجعة للعقار؛ في تلك المناطق.
السؤال: ماذا يريد الناس عند طرح الموضوع؛ هل يريدونها زكاة أم رسوم -ضرائب-؛ وهل يعتبر رأي الأغلبية من الناس فضلا عن الأقلية؛ وهل الشرع على هوى الناس؛ أيا كانوا خاصة أو عامة؟!
زيادة أسعار الأراضي بعد فرض الرسوم؛ احتمال متوقع؛ وإلزام أصحاب الأموال على البيع؛ بأي أسلوب؛ يحتاج لدليل شرعي؛ أما صراخ البعض ومحاولتهم التعديل على الشرع بسب وشتم العلماء؛ كمحاولة لفرض رأيهم؛ فلا يختلف أبدا عن صراخ الأطفال عند اللعب؛ وبالفقه يرفض ذلك؛ إذ يستعاب على الفقيه مجاملة الناس؛ خاصتهم وعامتهم.
أما الزكاة فلا شأن لها في ارتفاع الأسعاركعلاج جذري لتعديل الأسعار؛ فضلا عن خفضها؛ إلا أنها- ولله الحمد-؛ تزيد كلما زادت قيمة العقار الواجب دفع الزكاة عنه؛ وتنخفض إذا انخفض سعرالعقار الواجب دفع الزكاة عنه.
عدم دفع زكاة العقار له أسباب شرعية؛ مثل تعطيل الاستفادة منه؛ حيث يصبح كالمعدوم؛ فينتظر صاحبه زوال السبب المعطل له؛ كأن تتأخر الدولة في تخطيط الأرض؛ واختلاف الواقع ليس مبررا للابتداع في الدين.
بينما فرض الزكاة على الأراضي السكنية وتجاهل الأراضي غير السكنية؛ تخبط وجهل مركب؛ فالزكاة لا تفرق بين الأموال عند استحقاق الزكاة في نوع منها؛ فزكاة سيارات الغرب لا يمنع زكاة سيارات الشرق؛ إذا كانت عروض تجارة؛ وكذلك زكاة الأرض الغربية لا يوجب منع زكاة الأرض الشرقية؛ أي المكان لا يعد شرطا في الزكاة شرعا؛ إلا في ناتج النسبة الزكوية؛ إذ النسبة ثابتة والقيمة متغيرة.
الشروط محددة لا مبتكرة؛ بمعنى شرط الزكاة لأنه سكني وعدم الزكاة لأنه غير سكني لا يتفق مع الشروط الشرعية؛ بل المستعمل للسكن لا يزكى؛ وربما يطلب ما زاد عن الحاجة ليزكى عنه؛ فالتفريق بين أرض داخل العمران وأخرى خارجه بدعة جديدة في فقه الزكاة.
الاستجابة لتعصب الرأي الفردي أو للرأي المتحزب؛ لا يتوافق مع الشريعة الاسلامية؛ فلم ينظر الاسلام للفقراء للإضرار بالأغنياء، ولم يسكت عن الأغنياء مجاملة للأغنياء؛ وعدم تقديرذلك دليل على جهل من ينادي بالتوحش ضد الفقراء أو من ينادي بالتوحش ضد الأغنياء.
التوحش الفقهي في محاولة الإضرار بالآخرين باستخدام ركن من أركان الإسلام؛ أو ما يشبهه؛ وبما يخالفه؛ لا يختلف عن توحش داعش في استخدام الحدود الشرعية؛ فالتحاكم للقرآن والسنة يبقى في خانة الاجتهاد؛ إذا لم يكن الاستدلال قطعيا؛ أو كان النص ليس نصا على المختلف عليه.
الناس تبتكر حلا لكل عائق؛ وأصحاب الأموال أقدر الناس على تدبير أموالهم؛ وتبني أي قرار بعيدا عن النسق العام للزكاة؛ وما يتوافق مع مشروعية الزكاة؛ لن يكون في صالح الفقير ولا في صالح من يملك كفايته؛ ولا في صالح من يملك حدا أعلى من الكفاية؛ بل يحارب المال؛ والاسلام لا يحارب الأموال؛ إنما يزكيها ويطهرها.
لا أعتقد بأن الرسوم هي الحل السحري لخفض أسعار الأراضي؛ فالتاجر لا يعتبر دفع الرسوم عائقا؛ إذا كانت بحدود الزكاة؛ وإذا لم تكن بحدود الزكاة ومشروعيتها صارت الرسوم تحايلا وتشريعا للاشتراكية أو جزءا من الاشتراكية.
الزكاة على الأرض لا تختلف عن زكاة الأموال الأخرى؛ فصبر الغني على دفع الزكاة لمدة خمس سنوات أو عشر سنوات متوقع؛ مثل صبره على دفع زكاة النقد إن كان يدفع الزكاة على كل أمواله؛ الفرق فقط في المخازن المالية؛ وليس في وجوبها من عدمه.
تمسك التاجر بعقاره سيتضاعف؛ ولن يتراجع؛ ويخلق الله ما لا نعلم من الأعمال التي ستواجه المتحمس للرسوم؛ أما كون الرسوم أعلى من الزكاة فهذا لن يكون؛ إلا بحال تبني الظلم؛ ولكن الفرق هو ذهاب الأموال لغير مصرفها؛ هذا إذا قلنا: إن الزكاة على كل أرض واجبة؛ والخلاف الأهم على جباية الزكاة وليس على وجوبها؛ فمتى توفرت الشروط فالواجب أمانة؛ لن يخفيها التاجر عن ربه؛ فعدم دفع الزكاة ذنب؛ له أثره الدنيوي والأخروي.
قلة المعروض من الأراضي سبب؛ فغالبا تطول مدة انتظار التخطيط؛ ولن يدفع التاجر رسوما إلا على الجاهز للتخطيط.
عدم تخطيط الأرض مبرر قوي لعدم دفع الرسوم؛ ولو فرضنا تقدم التجار جميعا للتخطيط؛ بهدف الحصول على مخطط معتمد ورسمي؛ فإن الاستجابة لذلك ستكون بطيئة؛ لذا فطلب الرسوم مستحيل.
التالي لطلب رسوم على الأرض هو طلب الرسوم على العقار السكني القائم؛ ثم الاستجابة لسلسلة طويلة من الرسوم؛ لخلق اشتراكية غير عادلة؛ فضلا عن رفض ذلك شرعا.
الحل لدى وزارة الشؤون البلدية والقروية؛ إذ مدة تخطيط الأراضي تمر بخطوات كثيرة ومدد طويلة؛ وهذا سبب وجود أسعار العقار الخيالية؛ وعدم قدرة المجتمع على الشراء لن يمنع التاجر من دفع الزكاة؛ عندما تكون عروض تجارة؛ بل المانع الطمع وعدم مخافة الله.
تخطيط المدن والمحافظات؛ بل كامل النطاق العمراني أهم من الرسوم؛ ومنطقيا فإلزام صاحب الارض لدفع رسوم أو زكاة قبل جاهزية أرضه لتنفيذ المشاريع ظلم.
بإختصار؛ خطط ونفذ المخططات وألغ التفكير بالرسوم؛ بل والتفكير في جباية الزكاة إلا عند الاعلان عن بيع العقار؛ لأن الناس لن تدفع على الأرض الخام اعتباطا؛ لن تدفع وأنت تمنعها من التخطيط؛ وحتى القرار إذا صدر فلن يلزم أحدا قبل التخطيط.