توافدت جموع من حجاج بيت الله الحرام منذ وقت مبكر إلى مسجد نمرة أمس لأداء صلاتي الظهر والعصر جمعًا وقصرًا؛ اقتداء بسنَّة النّبي المصطفى محمد صلَّى الله عليه وسلَّم والاستماع لخطبة عرفة. وامتلأت جنبات المسجد الذي تبلغ مساحته (110) آلاف متر مربع والساحات المحيطة به التي تبلغ مساحتها ثمانية آلاف متر مربع بضيوف الرحمن.
وتقدم المصلين صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبد الله بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة رئيس لجنة الحج المركزية، حيث ألقى سماحة مفتى عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلميَّة والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ خطبة عرفة - قبل الصلاة - استهلها بحمد الله والثناء عليه على ما أفاء به من نعم ومنها الاجتماع العظيم على صعيد عرفات الطاهر.
وأوصى سماحته حجاج بيت الله الحرام في بداية خطبته بتقوى الله عزّ وجلّ، وأنها من خصائص المؤمن في سره وعلانيته ونجواه.
وقال: «إن الدين القويم هو دين الفطرة، قال تعالى: ((فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أكثر النَّاسِ لا يَعْلَمُون))، الناس خلقوا جميعًا على الفطرة السليمة، وإنما أتى الانحراف من تربية الآباء أو البيئة، انظروا إلى الأشياء التي تسبب الجحود والكفر والضلال، يقول صلَّى الله عليه وسلَّم (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)، فبين عليه الصلاة وسلَّم أن التوحيد مركوز في فطر الناس والشرك طارئ عليها، يدل على ذلك إخلاص المشركين في الضرورات، قال تعالى: ((فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلى الْبَرِّ إذا هُمْ يُشْرِكُونَ)) وذلك لأن الفطرة لا تزول فإذا انحرف المسلم إلى نوع من أنواع الضلال عاد المسلم إلى فطرته السليمة.
وأضاف سماحة المفتي: « النَّفْس البشرية لو تركت وداعي الفطرة لذهب الناس إلى الشبهات والشهوات، وحق لهذا الدين أن يكون دين فطرة ودين البشرية جاء بدستور يوافق العقل وقريب للقلب وإخوة رابطة، إخوة الإيمان والإسلام ديننا دين الإسلام دين كمال وشمول جاء بما يهدي الناس إليه في أمور دينهم ودنياهم وعباداتهم ومعاملاتهم وكل شؤون حياتهم ونهج متكامل بمبادئ راقية وأخلاق عالية، ونظم كاملة ومما يدل على ذلك هذا الدين بكلِّ أصوله ومبادئه السليمة، التي توافق الفطرة السليمة والقلب السليم والعقل المستقيم.
وبيَّن سماحة المفتي، أن الله شرع الزكاة، قال الله تعالى ((وَفِي أموالهم حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ))، كما حث الإنسان على فعل الخير، ((مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أموالهم فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ في كلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ))، وأن ذلك من موافقة الإسلام للفطرة، يقول الله جلّ وعلا ((يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفًا))، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم (يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا)، وتقول عائشة: ما خُيّر النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بين أمرين إلا اختار أيسرهما، وهذا يدل على سماحة الشريعة وسهولتها في كلِّ أوامرها قال تعالى: ((مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ))، وقال: ((يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)).
وأكَّد سماحة مفتي عام المملكة أن دين الإسلام دعا إلى المحافظة على مقوِّمات الإنسان الأساسيَّة في هذه الدنيا وهي الدين، والنفس، والمال، والعرض، والعقل، التي لا غنى للإنسان عنها ولا يمكن تعيش أمة إلا بالمحافظة على هذه الضرورات.
وقال: «إن أولها في الجانب الديني حيث أمر الله عزَّ وجلَّ بالإيمان بما أتت به السنة من العقيدة السليمة وتفاصيلها ونهى عن الخروج عنها، وحرم قتل النَّفْس بغير حق قال تعالى: ((وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ))، وشرع القصاص: ((وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أوليْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ))، وقال تعالى: ((وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أن النَّفْس بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ)) وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام).
وفيما يخص حفظ المال بيّن سماحته، أن الله حرم أكل أموال الناس بالباطل، قال تعالى: ((وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ))، وقال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أموال الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)).
وأفاد أن الله أمر بغض البصر وحفظ الفرج: ((قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ))، ((وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ))، وشرع الله الزواج للحفاظ على الذرية وحرم الزنا وسائر الفواحش قال تعالى: ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)) وقال سماحة مفتي عام المملكة: إن الله عزَّ وجلَّ حرّم على الإنسان تعاطي ما يؤذي النفس من المخدرات والمسكرات قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ))، كما أمر الله بالعدل والإحسان ((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ))، ويقول صلَّى الله عليه وسلَّم: (اتَّقوا الظُّلْم، فَإِنّ الظُّلم ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، وقال عليه أفضل الصلاة والتسليم: (اتق دعوة المظلوم، فإنَّها ليس بينها وبين الله حجاب)، قال تعالى: ((إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)).
وأكَّد أن الله عزَّ وجلَّ أمر بالمعروف ونهى عن المنكر وحرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن وأمر بتطهير المجتمعات بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وجعلها من خواص هذه الأمة قال تعالى: ((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أخرجتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ))، وقال سبحانه: ((وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ أن اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرض أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمور)). وأضاف سماحته: «ومن الفطرة أن الله أمر بالاستسلام له، وأنه أمر بتحكيم الشريعة قال الله تعالى: ((إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ))، وبالدعوة إلى الله في كلِّ زمان ومكان وجعل الدعوة إلى الله من الأنبياء والمرسلين قال تعالى: ((وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ))، وقال تعالى ((وَمَنْ أحسن قولاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالحًا وَقال: إننِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ))، مشيرًا إلى دعوة الرسول عليه أفضل الصلاة والسَّلام إلى الله في مكة المكرمة والمدينة المنورة حتَّى توفاه الله، ثمَّ قام أصحابه بهذه المهمة وبذلوا الغالي والنفيس فدعوا إلى الله وأقاموا حجة الله في ذلك.
وأفاد سماحة المفتي أن من موافقة الفطرة أن جعل الشارع على المجتمع مسؤولية، قال عليه أفضل الصلاة والسَّلام: (كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهل وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته).
وأكَّد أن المسؤولية توجب على الكل أن يحافظ على مكاسب الأمة ومصالحها وأن يسعى لرفعة أمة الإسلام، وما نشاهده اليوم من مصائب في الإسلام أدت إلى سفك الدماء وفقد الأوطان فلنعلم أن هذا بما عصينا، وسلّط الله العدو علينا فأذانا، فعلينا بكتاب الله وسنَّة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم فيجب حل خصوماتنا وحقن دمائنا.
وخاطب سماحته قادة وزعماء العالم الإسلامي وعموم المسلمين قائلاً: اتَّقوا الله في أنفسكم، اتَّقوا الله في أنفسكم، واتَّقوا الله في شعوبكم، اتَّقوا الله في بلادكم، اتَّقوا الله في دينكم، أوصيكم بتقوى الله، وأعلموا أنه كل مسؤول عما ائتمنه الله عليه (كلكم راع ومسؤول عن رعيته) أعدوا للسؤال جوابًا وللجواب صوابًا، اعملوا جميعًا في حماية دينكم وأخلاقكم، دينكم مستهدف، أمنكم مستهدف، عقيدتكم مستهدفة، قوتكم مستهدفة، عقولكم مستهدفة، فأعداء الإسلام يعدون ضدكم فاتَّقوا الله في أنفسكم وتعاونوا فيما بينكم تعاونًا صادقًا في المحافظة على الأمن والاستقرار، واحذروا أن يكون أيّ منكم متآمرًا، فأنتم أمة مسلمة، أنتم خير أمة أخرجت للناس، واتَّقوا الله في أنفسكم وتعاونوا على الخير والتقوى في سبيل مصالح العامَّة.
وأضاف: أيها المسلمون أن مجلس التعاون الخليجي خطى خطوة يشكر عليها ولكن نحن بحاجة لتعاونكم في سبيل عزة الأمة واستقرارها واستقرار أمنها فاتَّقوا الله يا أيها المسلمون واسعوا في توحيد كلمتكم وصفوفكم، اتَّقوا الله في أنفسكم واعملوا خيرًا وقدَّموا خيرًا..
أيها المسلمون إن أمن المجتمع مسؤولية كل فرد منا يسعى في أمنه ويبتعد عمَّا يسيء إليه، ولنحذر من سوء الحماقات.
أيها المسلمون إن للإعلام دورًا عظيمًا في خدمة الأمة وحل قضاياها وحل مشكلاتها للتخفيف من همومها ومشكلاتها من منطلق شرعي وتعاليم الإسلام، وأن يهتم بقضايا مصيرية وأن يكون مصدرًا للقيم، وليكن الإعلام بعيدًا عن المهاترات وأن يكون هدفه الإصلاح، فالإعلام إذا كان صادقًا واقعيًا يكون له دور فعال.
وأكَّد سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ أن عنوان صلاح كل أمة هو استقامتها ومحافظة أبنائها على النفوس، فإنَّ قتل المسلم بغير حق فهو عدوان وظلم كبير ومن الجرائم المنكرة، يقول الله جلّ وعلا: ((وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خالدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا))، ويقول: ((مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إسرائيل انَّه مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أو فَسَادٍ فِي الأرض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جميعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)).
وقال: ولكن ابتلينا بأمة سفكوا الدماء وقتلوا النَّفْس المعصومة وقدَّموا بها تمثيلاً سيئًا لا يمثِّل إسلامًا ولا خلقًا إِنسانيًا.. هؤلاء هم الخوارج الذين أشار إليهم النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم عندما اعترض أحد منهم وقال: هذه قسمة ما أراد بها وجه الله فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: (فإنه يخرج من صلب هذا قوم تحقرون صلاتكم عند صلاتهم وصيامكم عند صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم يدعون إلى الأوثان)، فهم أعظم شأنًا من الخوارج، هؤلاء إجراميون انتهكوا الأعراض وسفكوا الدماء ونهبوا الأموال وباعوا الحرائر ولا خير فيهم.
وإن هذه الأعمال السيئة عظيمة.. يُقتل المسلم بغير حق يقول لا إله إلا الله ويصلَّى ويصوم كيف بلا إله إلا الله إذا جاءت تحاج يوم القيامة فقد قتل أسامة بن زيد في إحدى السرايا رجلاً قال لا إله إلا الله، فقال له الرسول صلَّى الله عليهم: يا أسامة أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله قال: نعم، قال لماذا ؟، قال: قالها خوفًا مني، قال الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم: أشققت عن قلبه كيف لك بلا إله الله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة قال أسامة بن زيد تمنيت أني لم أسلم إلا يومئذ.
وأكَّد سماحته أن هذه الجرائم الشنيعة إرهاب ظالم وعدوان غاشم وفساد والله لا يحب الفساد، وأشرُ من ذلك أنهم لبسوا باطلهم بأنَّه جهاد وأنه الإسلام، والله يعلم أنهَّم بُراء من الإسلام ومن الجهاد، وأنَّهم الطغاة، فاحذروا أفكارهم المنحرفة ودعواتهم الزائفة.
وحثّ أمة الإسلام قائلاً: «أنتم صمام أمتكم تحمون حدودها واستقرارها وتضربون بيد من حديد على كلٍّ الأعداء من الخارج ومن الداخل وعملكم شريف فاتَّقوا الله في أنفسكم، واحتسبوه عند الله ثوابًا، فقفوا صفًا واحدًا واصبروا ورابطوا ففي الحديث (من رابط يومًا في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها)، فيا أمة الإسلام اسألوا الله التوفيق والسداد وأن يثبتنا على ذلك وأن يعيننا على مهمتنا، وليعلموا أن الالتفاف على الإسلام جهاد في سبيل الله «، موصيًا الدعاة والعلماء بتقوى الله أن يجعلوا من دعوتهم وعلمهم هداية وإصلاحًا لغيرهم.
وأوضح سماحة مفتى عام المملكة في خطبته أن من أخلاق المؤمن محبة الخير له ولإخوانه والدُّعاء لهم يقول المولى جلّ وعلا: ((وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ))، فمحبة الصحابة والدُّعاء لأصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، واجبة والترضي عنهم واجب، ولا نعيبهم ، ولا نقول بهم إلا خيرًا، فإنَّ من يعيبهم ويستهزئ بهم ويسئ الظنّ بهم دليل على إجحاف في قلبه.
وقال: «حجاج بيت الله الحرام اشكروا الله على هذه النعمة أن بلغكم الوصول إلى بيت الله الحرام سالمين معافين لتقضوا مناسككم. فيا أيها الحجاج عليكم بالتماسك والتكاتف والالتحام قدر الإمكان ولا تؤذوا النساء والضعفاء والعجزة.
واستذكر سماحته الأعمال الجليلة التي تبذلها المملكة العربيَّة السعوديَّة في خدمة الحرمين الشريفين، فمنذ وحدت البلاد على يد الملك عبد العزيز -رحمه الله- أولى الحرمين الشريفين وخدمة حجاج بيته الحرام العناية والرعاية، وقام أبناؤه الملوك من بعده سعود وفيصل وخالد وفهد -رحمهم الله- بمواصلة نهجه، حتَّى أتى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود الذي تميزت في عهده الخدمات والمشروعات العظيمة منها توسعه الحرمين الشريفين والأعمال التطويرية بالمشاعر المقدسة والمطاف، التي أسهمت جميعها في استيعاب الحجاج.
ودعا حجاج بيت الله الحرام إلى الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس وعدم النفرة منها إلا بعد غروب الشمس، موصيًا الجميع بالإكثار من ذكر الله والاستغفار والتهليل وسؤال الجنَّة والنجاة من النار.. وقال: إنتم في يوم مبارك من أيام الله يوم عرفة ويزيده شرفًا إنه يوم الجمعة فقد اجتمع يومان فاضلان، هذا اليوم يقول فيه صلَّى الله عليه وسلَّم: (فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها شيئا إلا أعطاه)، وينزل الله إلى سمائه الدنيا آخر النهار فيقول انظروا إلى عبادي وأشهدوهم إني قد غفرت لهم، هذا اليوم يوم عيد أسبوعي ويوم عيد عرفة هذا اليوم يوافق موقف النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم.. هذا يوم إتمام الدين وإتمام النعمة..
أيها المسلمون اتَّقوا الله جلّ وعلا وقفوا إلى غروب الشمس، وصلوا في مزدلفة المغرب والعشاء، وبيتوا فيها إلى معظم اللَّيل ولكم إلى منتصف الليل، وإكمال حجكم.
وأضاف سماحته قائلاً: أيها المسلمون يوم النحر احلقوا أو قصروا فقد حلل كل شيء ، طوفوا طواف الإفاضة..
أيها المسلمون اتَّقوا الله في حجكم، واجعلوا حجكم مبرورًا واجعلوا الحج للأعمال الصالحة ولطاعة الله.
أيها المسلمون.. ارموا جمار يوم الحادي عشر، وإن تأخرتم فهو أفضل ليخف الزحام عليكم.
أيها المسلمون.. الشكر لله على كلٍّ حال على نعمه العظيمة وعلى فضله، ثمَّ الشكر أيْضًا لخادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده وسمو ولي ولي العهد لما قاموا به من أعمال عظيمة.
أيها المسلمون..أرجو الله واطلبوا الخير، وأكثروا من الدُّعاء، فإنَّ الله يقول: ((يَا ابن آَدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوتَنِيْ وَرَجَوتَنِيْ غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلا أُبَالِيْ، يَا ابن آَدَمَ لَو بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّماء، ثمَّ استغْفَرْتَنِيْ غَفَرْتُ لَكَ))، فأدعو الله مخلصين له الدين وأكثروا الدُّعاء في عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كلٍّ شيء قدير، اللَّهمَّ يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام لا إله إلا أنت سبحانك أنا كنا ظالمين، اللَّهمَّ أنا نشهد بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، اللَّهمَّ يا حي يا قيوم وفق ولي أمرنا، اللَّهمَّ وفق ولي عهده لكل ما تحبه وترضاه، اللَّهمَّ انصر دينك وكتابك وسنَّة نبيِّك، اللَّهمَّ انصر إخواننا بالشام من ظلم الظالمين، اللَّهمَّ وفق إخواننا في العراق وفي اليمن وليبيا وفي سائر بلاد الإسلام، يا إخواني في العراق اتَّقوا الله في أنفسكم وعسى أن تتغلبوا على هذه المتفجرات، يا إخواني في اليمن ما هذه الحالة السيئة حولتم البلاد إلى خوف وذعر، يا إخواني في ليبيا اتَّقوا الله في أنفسكم وتعاونوا على البر والتقوى واحذروا الشيطان، يا أخواني في كلِّ مكان كونوا يدًا واحدة وتعاونوا على الخير والتقوى، أسأل الله أن يجعل حجكم مبرورًا وسعيكم مشكورًا وذنبكم مغفورًا، وسبحان ربك رب العزة عمَّا يصفون وسلام على المرسلين والحمدلله رب العالمين، ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبد الله ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.